العين

ما هي العين؟ مفهومها وحقيقتها

ما المقصود بالعين؟

العين في المفهوم الشرعي واللغوي تُشير إلى نظرة يصحبها انفعال نفسي من إعجاب أو حسد قد يُحدث ضررًا بالمَنظور إليه بإذن الله. يقول العلماء إن العين هي انبعاث طاقة خفية من نفس العائن تؤثر في بدن المعيون أو ماله أو ولده. وقد أقرّ الإسلام بحقيقتها كما جاء في الحديث الصحيح: «العين حق» (رواه مسلم).

العين مفهومها وعلاجها 

ومن الناحية الاجتماعية، تمثل العين أحد أقدم المعتقدات التي تؤمن بقدرة الإنسان على التأثير في غيره بنظرة تحمل مشاعر الحسد أو الغيرة، وهو اعتقاد تجده متجذرًا في ثقافات الشرق والغرب على حد سواء. إن فهم معنى العين هو الخطوة الأولى لمعرفة كيفية الوقاية منها ومعالجتها شرعًا.

الاعتقاد بظاهرة العين في الثقافات والمجتمعات

ظاهرة العين ليست حكرًا على المجتمع الإسلامي فحسب، بل تمتد جذورها إلى حضارات عديدة مثل الحضارة المصرية واليونانية القديمة، حيث اعتقد الناس بوجود “العين الشريرة” التي تُصيب الإنسان بالضرر. ومع مرور الزمن، أصبح هذا الاعتقاد جزءًا من التراث الشعبي في مختلف الثقافات.
وفي المجتمعات العربية والإسلامية، اكتسبت العين بُعدًا روحيًا يرتبط بالإيمان بالقضاء والقدر، فالمسلم يدرك أن الضر والنفع بيد الله وحده. ومع ذلك، يرى كثير من الناس أن الوقاية بالتحصين والذكر والدعاء هي وسيلة لحماية النفس من تأثير العين.
هذا التوازن بين المعتقد الشعبي والتوجيه الديني جعل ظاهرة العين محطّ اهتمام الباحثين في مجالات الدين وعلم النفس والاجتماع.

العين في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

لقد أشار القرآن الكريم إلى ظاهرة العين في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" (القلم: 51). قال المفسرون إن الآية دليل على أن النظرة قد تُؤذي بإذن الله، وهي من دلائل العين.
وفي السنة النبوية، جاءت الأحاديث الصحيحة لتؤكد هذه الحقيقة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» (رواه مسلم). تلك النصوص تُثبت أن العين ظاهرة حقيقية لا يمكن إنكارها، لكنها لا تخرج عن مشيئة الله وقدَره، مما يجعل الإيمان واليقين درعًا واقيًا للمسلم من أثرها.

الفرق بين العين والحسد

كثيرًا ما يخلط الناس بين العين والحسد، رغم وجود فرق دقيق بينهما. فـ الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير بدافع الكراهية أو الغيرة، أما العين فهي نظرة إعجاب قد تصيب بالضرر حتى من غير قصد. كل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائنًا. 
وقد تصدر العين من شخص صالح دون نية أذى إذا لم يبرّك، ولهذا قال النبي : «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» (رواه ابن ماجه). إدراك هذا الفرق يُساعد في التعامل مع الظاهرة بوعي، فالعين ليست دائمًا عن حقد، لكنها قد تتحول إلى أذى إن لم تُقترن بالدعاء بالبركة والتحصين بالأذكار.

دلائل العين من القرآن والسنة النبوية

الآيات القرآنية التي تحدثت عن العين

ورد ذكر العين في القرآن الكريم في مواضع متعددة، تؤكد حقيقتها وتأثيرها بإذن الله تعالى.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة القلم: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون” (القلم: 51). وهذه الآية دليل على أن الأبصار قد تُؤذي الإنسان بنظرة الحسد أو الإعجاب.

ايات الرقية من العين

وفي قصة يعقوب عليه السلام قال تعالى: وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة” (يوسف: 67)، خشية أن يُصيبهم الناس بالعين لكثرة عددهم وجمالهم.

تُظهر هذه الآيات أن القرآن الكريم يُقرّ بوجود العين، وأنها من الأسباب القدرية التي لا تقع إلا بإذن الله، مما يدعو المسلم إلى التحصين والاعتماد على ربه وحده.

الأحاديث النبوية في إثبات العين

أكد النبي في أحاديث كثيرة على حقيقة العين، ومن أبرزها ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» (رواه مسلم). هذا الحديث يبيّن أن العين أمر واقع لا يُنكر، لكنه لا يخرج عن مشيئة الله، فكل شيء مقدّر ومكتوب.
وفي رواية أخرى عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها، أن النبي قال: «هل تهمّون بأحدكم أو تُصيبونه بالعين؟» قالوا: نعم، قال: «فإذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» (رواه ابن ماجه). توضح هذه الأحاديث أهمية الدعاء بالبركة والتحصين بالأذكار لتجنب ضرر العين قبل وقوعها.

حديث ابن عباس رضي الله عنه في علاج العين

من الأحاديث الواردة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: قال رسول الله : «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا» (رواه مسلم). هذا الحديث الشريف يُثبت أن علاج العين ممكن بإذن الله من خلال الوسائل المشروعة التي وردت في السنة، مثل غسل أثر العائن إذا طُلب منه ذلك.
ويُظهر الحديث أيضًا أن الإسلام لا يكتفي بالإقرار بوجود العين، بل يضع منهجًا وقائيًا وعلاجيًا متكاملًا يجمع بين الإيمان والعمل بالأسباب. إن ذكر ابن عباس لهذا الحديث يوضح فهم الصحابة العميق للظواهر الروحية وتعاملهم معها بالحكمة واليقين بقدرة الله تعالى على الشفاء.

الفرق بين الإيمان بالعين والخرافة

من المهم التفرقة بين الإيمان الشرعي بوجود العين، وبين الوقوع في الخرافات والمبالغات التي لا أصل لها.
فالإسلام أقرّ بوجود العين كأمر حقيقي، لكنه نهى عن تعظيمها أو الخوف منها أكثر من الله. وقد بيّن العلماء أن الإيمان بالعين لا يعني تعليق التمائم أو استخدام الرموز، فهذه من البدع والممارسات الشركية التي لا تنفع.
العلاج الشرعي يتم فقط بالرقية والأذكار والأدعية النبوية. يقول النبي : «من تعلق تميمة فقد أشرك» (رواه أحمد).
لذلك يجب على المسلم أن يوازن بين الإيمان بقدرة الله وبين الأخذ بالأسباب المشروعة دون إفراط أو تفريط، فالله وحده هو الحافظ من كل سوء.

أنواع العين وأعراضها

أنواع العين في المفهوم الشرعي والشعبي

العين ليست نوعًا واحدًا، بل تتعدد أشكالها بحسب نية العائن وحال المعيون.
يُقسم العلماء العين إلى ثلاثة أنواع رئيسية: 
عين الحسد: تصدر من شخص حاقد يتمنى زوال النعمة.
عين الإعجاب: تصدر من إنسان يُعجب بشيء دون ذكر الله أو الدعاء بالبركة.
عين العداوة: تكون مقصودة لإيقاع الضرر عمدًا.

أنواع العين في المفهوم الشرعي

وقد قال النبي : «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» (رواه ابن ماجه).
إدراك هذه الأنواع يساعد المسلم على التحصن منها بالأذكار والأدعية، ويجعله أكثر وعيًا في التعامل مع الآخرين دون خوف أو مبالغة.

الأعراض الجسدية للإصابة بالعين

تظهر آثار العين غالبًا في شكل تعب جسدي غير مبرر، أو أمراض غامضة يصعب تشخيصها طبيًا.
من أبرز هذه أعراض 
العين : الصداع المستمر، الخمول، فقدان الشهية، آلام المفاصل، تساقط الشعر، شحوب الوجه، وتغيّر في نضارة البشرة. وقد يعاني المعيون من تثاقل في الجسم أو ضيق في الصدر دون سبب واضح.

وفي بعض الحالات تظهر أمراض جلدية مفاجئة أو اضطرابات في النوم.
هذه الأعراض ليست دليلاً قاطعًا على العين، لكنها مؤشرات تستدعي الرقية والتحصين.
يجب دائمًا الجمع بين العلاج الروحي والدوائي، فالإيمان لا يُغني عن استشارة الطبيب، بل يكمله لتحقيق شفاء متكامل للجسد والروح.

الأعراض النفسية والسلوكية للعين

العين لا تؤثر على الجسد فقط، بل تمتد لتصيب النفس والعقل. قد يشعر المعيون بحالة ضيق دائم أو قلق مفرط، ويلاحظ تدهورًا في التركيز، وفقدان الرغبة في العمل أو الدراسة.
كذلك قد تظهر عليه نوبات من الحزن أو الاكتئاب المفاجئ دون أسباب واقعية، أو عزوف عن التواصل الاجتماعي.
وفي بعض الحالات، يتكرر الفشل في الأمور المهمة رغم بذل الجهد، وهو ما يُرجع بعض العلماء سببه إلى أثر العين. 
هذه العلامات تدعو المصاب إلى التحصن بالأذكار والرقية الشرعية، مع تعزيز الصبر والرضا بقدر الله، فكل ما يصيب المسلم فيه خير بإذن الله.

الفرق بين العين والسحر والمسّ

كثير من الناس يخلطون بين العين والسحر والمسّ، رغم أن لكل منها طبيعة مختلفة. العين ناتجة عن نظرة تؤذي بإذن الله، بينما السحر عمل شيطاني يُقصد به الضرر بتعاون مع الجن. أما المسّ فهو تلبّس من الجن في جسد الإنسان يؤثر عليه سلوكياً وجسدياً. التمييز بينها ضروري لتحديد العلاج المناسب.
في العين يكون الضرر غالبًا مرتبطًا بالإعجاب أو الحسد، ويُعالج بالرقية الشرعية والدعاء. أما السحر والمسّ فيحتاجان إلى رقية مطوّلة وقراءة متخصصة. الفهم الصحيح يُجنّب الناس الوقوع في الوساوس والخرافات، ويُقرّبهم من الاعتماد على الله وحده في الشفاء.

تأثير العين على الإنسان والمجتمع

الأثر الجسدي والنفسي للعين على الفرد

العين تُضعف الجسد وتؤثر في النفس تأثيرًا بالغًا. يصف العلماء حال المعيون بأنه يشعر بتغير مفاجئ في نشاطه وحالته الصحية دون سبب واضح. قد يفقد شهيته أو يعاني من إرهاق دائم، بينما لا يُظهر الفحص الطبي أي مشكلة. 
من الناحية النفسية، قد يتولد لديه شعور بالخوف الدائم، أو نفور من الأماكن والأشخاص. وهنا يظهر التداخل العجيب بين الجسد والروح، إذ إن العين تُحدث اضطرابًا في التوازن الداخلي للإنسان.
العلاج الأمثل هو الجمع بين الإيمان والدعاء والرقية، مع متابعة الطبيب المختص إذا استمرت الأعراض، فالإسلام دين يجمع بين العلم واليقين بالله.

التأثير الاجتماعي لمخاوف العين

الخوف المفرط من العين قد يسبب مشكلات اجتماعية خطيرة. فكثير من الناس يُخفون نجاحاتهم أو رزقهم خشية الحسد، مما يولّد حالة من الانعزال وعدم الثقة في الآخرين.
كما يؤدي الاعتقاد الزائد بتأثير العين إلى انتشار الحذر المرضي بين الناس، فيظنون أن كل مكروه سببه العيون. الإسلام دعا إلى التوكل على الله دون مبالغة في الخوف، فالمؤمن يعلم أن الضر والنفع بيد الله وحده.
قال تعالى: “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون” (التوبة: 51). التوازن بين الحذر والإيمان يمنح الإنسان طمأنينة داخلية ويعزز ثقته بربه.

تأثير العين على العلاقات الأسرية والمهنية

الاعتقاد بوجود العين قد يُضعف العلاقات داخل الأسرة أو بيئة العمل. قد تُتهم بعض الأقارب أو الزملاء ظلمًا بأنهم سبب الضرر، مما يولّد الشك وسوء الظن. كما يؤدي الخوف من العين إلى الغيرة والتنافس السلبي بين الأفراد.
الإسلام حثّ على الستر والدعاء بالبركة عند رؤية ما يُعجب، بدلًا من الحسد أو الاتهام.
قال النبي : «لا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» (رواه البخاري).
العين قد تُصبح آفة اجتماعية حين تضعف الثقة وتزيد القطيعة، لذا لا بد من نشر الوعي والإيمان بأن كل شيء بقدر الله.

كيف يسبب الخوف من العين اضطرابات نفسية؟

الخوف المبالغ فيه من العين قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية حقيقية. فمن الناس من يعيش في قلق دائم، ويتجنب إظهار النعمة أو الحديث عنها، فيتحول الحذر الطبيعي إلى وسواس مزمن. هذه الحالة تُضعف ثقة الإنسان بنفسه وتجعله يعيش تحت وطأة الوهم.
العلاج يكون عبر تعميق الإيمان بالقدر، والتأكيد أن ما كتبه الله للإنسان لن يخطئه. التحصين بالأذكار اليومية مثل “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء” يبعث الطمأنينة ويقوّي التوكل.
الإسلام لا ينكر العين، لكنه يرفض أن تكون مصدر خوف أو يأس، بل يجعلها سببًا لزيادة الإيمان.

العلاج الشرعي للعين من السنة النبوية

علاج العين بالرقية الشرعية

الرقية الشرعية هي الوسيلة المشروعة التي أرشدنا إليها الإسلام لعلاج العين والحسد. وهي قراءة آيات من القرآن الكريم وأدعية نبوية على المريض بنية الشفاء. من أهم السور المستخدمة في الرقية: الفاتحة، الإخلاص، الفلق، الناس، وآية الكرسي.

العين حق

وقد كان النبي يرقي الحسن والحسين رضي الله عنهما قائلاً: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» (رواه البخاري).
الرقية ليست مجرد تلاوة، بل عبادة قائمة على الإخلاص واليقين بأن الشفاء من عند الله وحده. يُستحب أن يقرأها الإنسان لنفسه أو لأهله، مع المواظبة على الطهارة والذكر.

العلاج بغسل أثر العائن كما ورد في السنة

ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: «العين حق، وإذا استُغسلتم فاغسلوا» (رواه مسلم).
ويقصد بالغسل أن يُطلب من العائن أن يغسل بعض أعضائه بالماء، مثل وجهه ويديه ومرفقيه، ثم يُصب ذلك الماء على المعيون من خلفه. وقد ثبت أن هذا العمل يُزيل أثر العين بإذن الله، لأنه من الوسائل النبوية الثابتة.
يشترط أن تكون النية خالصة للشفاء لا للانتقام، وأن يتم الأمر برفق وحكمة دون إهانة. هذا العلاج يربط بين الإيمان والتطبيق العملي، ويُظهر عظمة السنة في معالجة أدقّ المشكلات الروحية.

التحصين بالأذكار النبوية اليومية

الوقاية خير من العلاج، ولهذا حثّ النبي على المداومة على الأذكار صباحًا ومساءً.
من أهمها قول النبي «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» (رواه مسلم)، وقوله «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» (رواه الترمذي).
هذه الأذكار تُكوّن درعًا روحانيًا يمنع تأثير العين والسحر والشرور. كما يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات، لما ورد في فضلها العظيم. التحصين اليومي يمنح المسلم سكينة نفسية وشعورًا بالحماية، ويذكّره بأن الله هو الحافظ والوليّ.

الاستعانة بالله والدعاء بالبركة

من أعظم أسباب الوقاية والعلاج من العين الدعاء بالبركة عند رؤية ما يُعجب. قال النبي : «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» (رواه ابن ماجه). هذا التوجيه النبوي يُحوّل طاقة الإعجاب إلى طاقة خير، ويمنع تحولها إلى حسد أو عين.
كما أن الدعاء يقوي المحبة بين الناس ويمنع الشيطان من إفساد القلوب. وفي كل حال، على المسلم أن يعلم أن الشفاء بيد الله، وأن الصبر والدعاء والتوكل هي مفاتيح النجاة من كل أذى.

الوقاية من العين وأساليب التحصين

التحصين بالقرآن الكريم والأذكار

الوقاية من العين تبدأ بالإيمان القوي بأن الله وحده هو الحافظ، ثم بالتحصين المستمر بالأذكار والقرآن الكريم. قال تعالى: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين» (الإسراء: 82). فالقرآن هو أعظم وسيلة للشفاء من العين والحسد والسحر.
ينبغي للمسلم أن يواظب على قراءة آية الكرسي، وسور الإخلاص، الفلق، والناس صباحًا ومساءً. كما أن المحافظة على الأذكار اليومية مثل “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء” تعد درعًا واقيًا من الشرور. التحصين ليس مجرد عادة، بل هو عهد متجدد مع الله بأن يكون المرء في حماية ربه دائمًا.

الوضوء والصلاة والنظافة الروحية

الصلاة المنتظمة والوضوء الدائم يُعدان من أعظم سبل التحصين من العينالطهارة تُنقّي الجسد والروح، وتغلق أبواب الوساوس والهموم. قال النبي «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» (رواه ابن ماجه). كما أن أداء الصلوات في أوقاتها يجعل العبد في حماية الله من كل أذى، لقوله تعالى: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» (العنكبوت: 45).
وعلى المسلم أن يجتهد في نظافة قلبه من الحسد والضغينة، فالقلب النقي لا يُصاب بسهولة، لأن صفاء النفس يُورث بركة وحصانة من الشر.

الصدقة والإحسان كدرع واقٍ من الحسد والعين

الصدقة تطفئ البلاء وتجلب البركة، فهي طاقة إيجابية تردّ عن الإنسان الشر والحسد. قال النبي «داووا مرضاكم بالصدقة» (رواه الطبراني). فكلما تصدّق المرء زادت حوله الهالة الإيمانية التي تحميه من أثر العين.
كما أن الإحسان للناس والدعاء لهم بالخير يطهّر القلب من الحسد ويُقلّل من احتمالية أن يكون الإنسان عائنًا أو محسودًا.
الصدقة ليست مجرد مال، بل كلمة طيبة، مساعدة محتاج، أو دعاء صالح. وبهذا يتحقق التوازن بين الجانب الروحي والاجتماعي في الوقاية من العين.

التوكل الحقيقي على الله والثقة بقدره

التوكل من أعظم أبواب الأمان ضد العين. فمن اعتقد أن الضر والنفع بيد الله وحده، عاش مطمئنًا لا يخشى إلا خالقه.
قال تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» (الطلاق: 3). الخوف من العين لا يجب أن يتحول إلى هاجس أو وسواس، بل يكون دافعًا لزيادة الإيمان واليقين.
التحصين الحقيقي يبدأ من القلب الواثق بربه، لا من كثرة الطقوس. كلما ازداد تعلق العبد بالله، قل تأثير الحسد عليه، لأن الله هو خير الحافظين. فالثقة بالله هي الدرع الأقوى من كل عين حاسدة.

بين الطب والشرع في فهم ظاهرة العين

الرؤية الشرعية لظاهرة العين

الإسلام أقرّ بحقيقة العين وأوضح علاجها. قال النبي «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» (رواه مسلم). هذا الحديث يثبت أن العين موجودة بإذن الله، لكنها لا تعمل خارج مشيئته سبحانه. فالشرع يوازن بين الإيمان بالعين وبين عدم المبالغة في الخوف منها.
الرقية، الدعاء، والتحصين هي الوسائل المشروعة للعلاج، بعيدًا عن الخرافات والدجل. الوعي الشرعي الصحيح يمنع الناس من الوقوع في الممارسات البدعية، ويُعيدهم إلى نهج النبي في التعامل مع هذه الظاهرة.

النظرة العلمية للعين وأثرها النفسي والجسدي

من منظور علم النفس، فإن الاعتقاد القوي بتأثير العين قد يُحدث انعكاسات جسدية ونفسية حقيقية، وهو ما يُعرف بالاضطرابات النفسجسمية. القلق والخوف المستمر يمكن أن يسبب أعراضًا جسدية مثل الصداع والتعب والأرق.
الطب الحديث لا يُنكر الجانب النفسي لهذه الظاهرة، لكنه يُرجعها غالبًا إلى تفاعل الإيمان والمشاعر.

تأثير العين على الجسد

ومن هنا يظهر التكامل بين العلم والإيمان، فالإسلام لا يعارض البحث العلمي، بل يوجهه لفهم السنن الكونية. العين قد تكون حقيقية في أصلها، لكن تأثيرها يزداد بالخوف ويضعف باليقين بالله.

التكامل بين العلاج الروحي والعلاج الطبي

أفضل نهج لمواجهة العين هو الجمع بين العلاج الشرعي والطبي. فكما أن الرقية تُريح الروح، فإن الطب الحديث يُعالج الأعراض الجسدية والنفسية. قال تعالى: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير» (الشورى: 30).
فعلى المسلم أن يسعى في الأخذ بالأسباب كلها، من تحصين ودواء ودعاء. النبي كان يستخدم الدواء، ويقرأ الرقية، ويعلم الناس أن الشفاء بيد الله وحده. هذا التكامل يخلق إنسانًا متوازنًا يجمع بين الإيمان والعلم، والروح والعقل في مواجهة العين.

العين في ضوء الإيمان بالقدر

كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر مقدّر من الله سبحانه. قال تعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون» (التوبة: 51). الإيمان بالقدر هو السياج النفسي الأقوى ضد الحسد والعين، لأنه يزرع في القلب طمأنينة بأن الله هو المدبّر.
حين يدرك المسلم أن العين لا تصيبه إلا بإذن الله، يزول عنه الخوف والوساوس. الإيمان الحقيقي يجعل العبد يرى في كل ابتلاء اختبارًا للثبات، وفرصة لزيادة القرب من الله. وهكذا يعيش المؤمن مطمئنًا، مهما اشتدت العيون حوله.

ختاما يتضح أن العين ليست مجرد اعتقاد شعبي، بل حقيقة شرعية أكّدها القرآن والسنة، وشهدت لها التجارب الإنسانية. لكن الإسلام علّمنا أن لا نعيش في خوف منها، بل في يقين بأن الله هو الحافظ والمعافي. العين قد تصيب الجسد أو النفس، لكن العلاج دائمًا في التحصين والذكر والدعاء واليقين بالله.
الرقية الشرعية، والقرآن الكريم، والدعاء بالبركة، كلها وسائل شرعية تعيد التوازن للإنسان وتمنحه الأمان. كما أن العلم الحديث يدعو إلى فهم الظاهرة بعمق دون خرافة، ما يفتح باب التكامل بين الدين والعقل.
فالمسلم الحق لا يخاف من العين، بل يتحصن منها بالإيمان، ويوقن أن: «وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا رادّ لفضله» (يونس: 107).
هكذا يعيش المؤمن مطمئنًا، واثقًا أن كل أمر بيد الله وحده، فالعين لا تضر إلا بإذنه، والشفاء لا يكون إلا منه.


تعليقات