السحر

 مفهوم السحر وتاريخه

تعريف السحر وأصله اللغوي

السحر في اللغة مأخوذ من الفعل “سَحَرَ”، أي خَدَع وأظهر الشيء على غير حقيقته، وهو في الاصطلاح: عمل خفي يُستعان فيه بالشياطين لإحداث أمرٍ خارق للعادة يُخَيَّل للناس أنه حقيقة. وقد عُرف السحر منذ القدم كوسيلة للتأثير في العقول والأجساد باستخدام طلاسم وأقوال وأفعال شيطانية. 

تاريخ السحر 

يختلف مفهوم السحر من ثقافة إلى أخرى، لكنه في جوهره يعتمد على التلاعب بالطبيعة والطاقة الروحية لإحداث نتائج غير مألوفة. ويُعتبر السحر في الإسلام من الكبائر التي تفسد الإيمان، إذ يشتمل غالباً على شركٍ بالله واستعانةٍ بغيره من الجن والشياطين.

السحر في الحضارات القديمة

في الحضارات القديمة كالمصرية والبابليّة والسومرية، كان السحر يُعتبر علماً مقدساً يمارسه الكهنة للتواصل مع الأرواح والسيطرة على قوى الطبيعة. في مصر القديمة، وُجدت نصوص سحرية على الجدران والبرديات تُستخدم للحماية والشفاء، مثل تعاويذ طرد الأرواح الشريرة. 

أما في بابل، فقد ازدهر ما يسمى بـ"السحر النجومي" الذي يربط بين حركة الكواكب والمصير الإنساني. كذلك، استخدم الكلدانيون السحر في تفسير الأحلام والتنبؤ بالمستقبل. هذه الممارسات القديمة تُظهر أن السحر لم يكن مجرد خرافة، بل كان جزءاً من النظم الدينية والاجتماعية التي حاولت تفسير القوى المجهولة من حول الإنسان.

تطور مفهوم السحر عبر العصور

مع مرور الزمن، تطوّر مفهوم السحر من طقوس دينية إلى ممارسات فردية وشعبية. في العصور الوسطى، كان السحر يُعتبر أداة للخير أو الشر، فظهر السحر الأسود والسحر الأبيض. في أوروبا، اتُّهم آلاف الأشخاص بممارسة السحر، وأُحرِق كثيرون بتهمة الشعوذة. أما في الحضارة الإسلامية، فقد كان العلماء يفرّقون بين السحر الحقيقي والخداع البصري. 

وفي العصر الحديث، تطور المفهوم ليدخل في مجالات مثل الطاقة الروحية والتنويم المغناطيسي. إلا أن النظرة العامة للسحر ما زالت تتراوح بين الغموض والتحريم، لما يحمله من تهديد لعقيدة التوحيد وقيم الدين.

نظرة المجتمعات الحديثة إلى السحر

في المجتمعات الحديثة، ما زال السحر يثير الفضول والخوف في آنٍ واحد. فبينما تعتبره المؤسسات الدينية عملاً محرماً، يرى بعض الناس أنه وسيلة للتسلية أو علاج نفسي. في العالم الغربي، يُنظر إلى السحر أحياناً كجزء من الثقافة الشعبية أو الفنون الأدائية، مثل “الخدع السحرية”. 

أما في العالم العربي والإسلامي، فيرتبط السحر غالباً بالجن والحسد والعين. وقد ساهم انتشار الإنترنت في زيادة الاهتمام به، سواء عبر البرامج أو المنتديات التي تتحدث عن الطاقة والعوالم الخفية. ومع ذلك، يبقى السحر خطراً حقيقياً يجب الحذر منه، خاصة حين يُستخدم للإضرار بالآخرين أو زعزعة الإيمان.

السحر في الشرائع السماوية

السحر في الإسلام وأحكامه

الإسلام حرم السحر تحريماً قاطعاً، وجعله من أكبر الكبائر المخرجة من الملة إذا تضمن الاستعانة بالشياطين أو الكفر بالله. قال تعالى: “وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر...” (البقرة: 102).

السحر في الشرائع السماوية

وقد ورد في الحديث الصحيح: “اجتنبوا السبع الموبقات”، وذكر منها “السحر”. فالسحر يُعد من أعمال الكفر لما فيه من شرك بالله واستعانةٍ بغيره. كما حذر العلماء من الذهاب إلى السحرة أو تصديقهم، لأن ذلك يُبطل الصلاة أربعين يوماً. فالسحر في الإسلام خطرٌ على العقيدة والأخلاق والمجتمع، ويجب اجتنابه والتبرؤ منه.

السحر في التوراة والإنجيل

ذكرت الكتب السماوية السابقة السحر باعتباره عملاً محرّماً ومكروهاً. ففي التوراة ورد: “لا تدع ساحرة تعيش” (سفر الخروج 22:18).
وهذا يدل على شدة تحريمه في الديانة اليهودية. كما جاء في الإنجيل التحذير من العرافة والعيافة والتنجيم، إذ اعتبرها نوعاً من التواصل مع الأرواح الشريرة. 

وعلى الرغم من وجود بعض النصوص التي استخدمت الرموز السحرية بشكل رمزي في العهد القديم، إلا أن الاتجاه العام في الديانتين كان التحذير من ممارسات السحر لأنها تفسد الإيمان وتفتح الباب أمام القوى الشريرة التي تُضلّ الإنسان عن عبادة الله الحق.

موقف الأنبياء من السحر

الأنبياء جميعاً وقفوا موقفاً حازماً ضد السحر، لأنه من أعمال الشياطين. فالنبي موسى عليه السلام واجه سحرة فرعون بمعجزة العصا، فبان الفرق بين الحق والسحر. وكذلك نبينا محمد عانى من سحرٍ أصابه حتى أنزل الله عليه سورتي الفلق والناس شفاءً وحماية. 

الأنبياء دعوا إلى الاعتماد على الله والتوكل عليه، وبيّنوا أن السحر لا يؤثر إلا بإذن الله. فالسحر وإن كان له أثر حقيقي، إلا أن سلطانه محدود، ولا يصيب المؤمن إلا ما كتب الله له، مما يرسّخ مبدأ الإيمان بالقضاء والقدر.

التحذير من السحر في القرآن والسنة

ورد التحذير من السحر في مواضع عدة من القرآن، أبرزها قوله تعالى: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه” (البقرة: 102).
كما حذر النبي في أحاديثه من الذهاب إلى السحرة والكهنة، فقال: من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.
هذه النصوص تؤكد أن السحر ليس مجرد عبث، بل باب من أبواب الكفر والفساد، إذ يؤدي إلى إيذاء الناس، وتفريق الأسر، وتدمير العلاقات. لذلك، جاءت الشريعة الإسلامية لتحصين المجتمع من هذه الممارسات وإغلاق أبواب الشيطان.

أنواع السحر وتعريفاتها

السحر الأسود (السفلي) وأضراره

السحر الأسود، أو ما يُعرف بـ"السحر السفلي"، هو أخطر أنواع السحر وأكثرها ضرراً. يقوم الساحر فيه باستدعاء الشياطين والأرواح الخبيثة لتنفيذ أوامر شريرة، مثل المرض، والطلاق، والجنون. هذا النوع يعتمد على الطلاسم والقرابين النجسة التي تُقدَّم للجن، ويُعتبر من أشد ما يُغضب الله. 

أخطر أنواع السحر 

أضراره لا تقتصر على المصاب فقط، بل تمتد إلى أسرته وعلاقاته النفسية والاجتماعية. ومن علامات السحر الأسود كثرة الكوابيس، والضيق المستمر، والوساوس، وتغير السلوك دون سبب. السحر السفلي حرام قطعاً، ويجب إبطاله بالرقية والقرآن والتوبة إلى الله.

السحر الفلكي والسحر الشعبي

السحر الفلكي يقوم على الربط بين حركة النجوم ومصير الإنسان، ويُستخدم في التنجيم وقراءة الأبراج. وهو نوع من الكهانة المحرمة لأنه ادعاء لعلم الغيب. أما السحر الشعبي، فهو مزيج من العادات والموروثات القديمة، ويُمارس في القرى والمجتمعات الريفية باستخدام الأعشاب أو الرموز التقليدية. 

رغم بساطته، إلا أنه يحمل نفس الخطر الشرعي، إذ يقوم على أوهامٍ وشعوذات. ومع ذلك، ما زال كثيرون يؤمنون به بسبب الجهل وضعف الإيمان. يجب على المسلم أن يفرق بين العلاج المشروع والباطل، وأن يلجأ إلى الله لا إلى الخرافة.

السحر العالي أو التعليمي

السحر العالي هو نوع من السحر يعتمد على دراسة الرموز والطلاسم القديمة ويُمارس غالباً من قبل أشخاص يزعمون امتلاكهم “علوم الأسرار”. يُسمى أحياناً “السحر التعليمي”، ويقوم على استخدام الرياضات الروحية والمناجاة لاستحضار كائنات غيبية. 

يُعتبر من أخطر أنواع السحر لأنه يجمع بين الفكر الفلسفي المنحرف والطقوس الشيطانية. هذا النوع يُضلّ العقول ويفسد العقائد، إذ يُدخل الإنسان في عالمٍ من الأوهام الروحية التي تُبعده عن الإيمان بالله. لذلك، جاءت الشريعة بتحذير شديد من كل علمٍ يتجاوز حدود ما أباحه الله من الغيب.

طرق عمل السحر وآلياته

الطلاسم والعُقَد والرموز

تعتمد أكثر أنواع السحر على الطلاسم والرموز الغامضة التي تُكتب بلغات غير مفهومة، وغالبًا تحتوي على أسماء شياطين وكلمات كفرية. تُستخدم هذه الرموز لربط الطاقة السحرية بالشخص المستهدف عبر خيوط أو عُقد تُعقَد سبع مرات مع تلاوة تعاويذ محددة. قال تعالى: ومن شر النفاثات في العقد” (الفلق: 4).
وهذا يدل على أن العقد كانت من وسائل السحر منذ القدم. تُخبأ هذه الطلاسم في أماكن خفية كالمقابر أو المياه أو الملابس، ليبقى تأثيرها مستمرًا. ويُعد فكّ هذه الرموز من أهم خطوات إبطال السحر، ويتم ذلك بالرقية الشرعية وقراءة القرآن على الماء والزيت الطاهر.

استخدام الجن في السحر

من أكثر طرق السحر خطورةً الاستعانة بالجن والشياطين، حيث يُعقد اتفاق بين الساحر وهذه الكيانات الخفية على تنفيذ طلبات مقابل طقوس محرّمة. يقوم الساحر بتقديم طاعة للجن، كالسجود لهم أو تلطيخ المصحف بالنجاسات، والعياذ بالله. في المقابل، يساعد الجن الساحر في إيذاء الناس أو نقل الأخبار. 

وقد حذر الإسلام من هذه الممارسات، لأن فيها شركًا بالله وتعديًا على الغيب. قال تعالى: وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا” (الجن: 6).
والنجاة من هذا النوع تكون بالتحصين بالأذكار والقرآن والالتزام بالطاعة والبعد عن المعاصي.

أدوات السحرة وطرقهم في الطقوس

يستخدم السحرة أدوات غريبة في طقوسهم، منها الدم، والشمع، والملابس الشخصية، والتماثيل، وأحيانًا الصور الفوتوغرافية. يقومون بكتابة الطلاسم على هذه الأدوات لتكون وسيلة تربط العمل بالشخص المقصود. ومنهم من يستخدم البخور ذي الروائح الخبيثة لاستحضار الجن أثناء الطقس. 

أدوات السحر والطقوس 

يختار السحرة أوقاتًا معينة مثل منتصف الليل أو بداية الشهر القمري لإجراء طقوسهم ظنًا منهم أن القوى السحرية تكون في أوجها. هذه الممارسات كلها قائمة على الضلال والخداع. من المهم التوعية بخطرها لأنها تفسد الإيمان وتؤدي إلى أضرار نفسية وجسدية بالغة للناس.

العلاقة بين السحر والطاقة الروحية

يربط بعض الممارسين بين السحر ومفهوم الطاقة الروحية، مدّعين أن بإمكان الإنسان توجيه طاقته لإحداث التغيير في الواقع. في الحقيقة، هذا المفهوم هو مزيج من الفلسفات الشرقية القديمة والشعوذة الحديثة، ولا يمتّ للإيمان بصلة. 

فالإسلام لا ينكر وجود الطاقة، لكنه يرفض استخدامها بطرق شركية أو خرافية. المؤمن يعلم أن التأثير في الكون لا يكون إلا بإرادة الله، لا بطاقةٍ بشريةٍ مزعومة. لذا يجب التفريق بين العلاج بالطاقة المشروع كالتأمل والهدوء النفسي، وبين السحر والطلاسم التي تُخالف التوحيد وتستدعي قوى شيطانية ضارة بالروح والجسد.

السحر في القرآن الكريم والسنة النبوية

قصص السحر في القرآن (سحرة فرعون، هاروت وماروت)

ذكر القرآن الكريم قصصًا تبين حقيقة السحر وحدوده، منها قصة سحرة فرعون الذين تحدّوا نبي الله موسى عليه السلام. قال تعالى: “قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ” (طه: 66).
فكان سحرهم خداعًا بصريًا لا حقيقة له، بينما معجزة موسى كانت حقًا من الله. كذلك ورد ذكر هاروت وماروت في سورة البقرة حين علّما الناس السحر للابتلاء، لا للتطبيق. قال تعالى: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر” (البقرة: 102).
وهذا يؤكد أن السحر ابتلاء واختبار من الله، لا علمًا نافعًا، وأن من يتعلمه أو يعلمه يُعرض نفسه للهلاك.

الآيات التي تتحدث عن السحر وأضراره

القرآن الكريم مليء بالآيات التي تُحذّر من السحر وتصف أضراره. قال تعالى: فيتعلمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه” (البقرة: 102).
يدل ذلك على أن السحر يمكن أن يُسبب التفريق والعداوة بين الأزواج والأقارب. كما قال تعالى عن السحرة: ولا يفلح الساحر حيث أتى” (طه: 69).
أي أن الساحر لا ينجح في مسعاه مهما استخدم من أساليب، لأن الله يُبطِل عمله. والآيات تؤكد أن تأثير السحر محدود بإذن الله، وأن التحصين بالقرآن والتمسك بالدين هما الحصن المنيع ضد أذاه.

الأحاديث النبوية التي تبين خطر السحر

وردت أحاديث كثيرة تُظهر خطر السحر. قال النبي “اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر...” (متفق عليه).
كما ثبت أن النبي أُصيب بسحرٍ من رجل يهودي يُدعى لبيد بن الأعصم، فشفاه الله بقراءة المعوّذتين. هذا يبين أن السحر حقيقة مؤثرة، لكنه لا يتجاوز قدر الله. كما قال “من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد”.
تحذّر هذه الأحاديث من تصديق السحرة والمشعوذين لأنهم يفسدون العقيدة ويغوون الناس عن طريق الحق والإيمان بالله وحده.

كيفية الوقاية من السحر بالتحصين الشرعي

التحصين من السحر يبدأ بالإيمان والتوكل على الله، ثم المداومة على الأذكار اليومية، كأذكار الصباح والمساء، وقراءة سورة البقرة بانتظام، فقد قال إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة”.
كذلك يجب قراءة المعوّذتين وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة قبل النوم. ومن وسائل الوقاية الوضوء الدائم، والدعاء، والابتعاد عن المعاصي التي تُضعف الإيمان. المسلم الذي يلتزم بهذه التحصينات يعيش مطمئنًا، محصنًا من السحر والعين والحسد. الوقاية خير من العلاج، والإيمان بالله هو أقوى درعٍ ضد الشرور الخفية.

علاج السحر بين الرقية والطب

العلاج بالرقية الشرعية

الرقية الشرعية هي العلاج القرآني الذي يُبطل أثر العين والسحر والمس بإذن الله. وهي تشمل قراءة آيات محددة مثل الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذتين، وسورة البقرة. كما تُقرأ الأدعية النبوية مثل: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”.

علاج السحر بالرقية الشرعية

يُفضّل أن تكون الرقية من شخص صالح معروف بالاستقامة، وأن تتم في جو من الإيمان والخشوع. الرقية لا تعتمد على أدوات غريبة أو طلاسم، بل على الإخلاص واليقين بقدرة الله على الشفاء. وقد شُفي كثير من الناس بفضل الرقية والذكر، لأنها تجدد الإيمان وتطرد الشياطين وتعيد الطمأنينة إلى القلب.

استخدام القسط الهندي في علاج السحر

القسط الهندي نبات نبوي أوصى به النبي فقال: “عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية” (البخاري).
ويُستخدم القسط في إبطال السحر و
العين والمس، سواء بالاستنشاق أو الشرب أو دهن الجسد بزيت القسط المقروء عليه. يُعتقد أنه ينقي الجسد من الطاقة السلبية ويقوّي المناعة الروحية. 

ومع ذلك، يجب استخدامه باعتدال وباستشارة الطبيب، خصوصاً للحوامل والمرضى المزمنين. القسط الهندي من الطب النبوي الذي يجمع بين العلاج الجسدي والروحي، وفعاليته تكون أعظم عند الجمع بينه وبين الرقية وقراءة القرآن.

العسل والماء المقروء فيه كوسائل علاجية

يُعد العسل والماء المقروء فيه من أنفع وسائل علاج السحر، لأن الله جعلهما سبباً للشفاء. قال تعالى: “فيه شفاء للناس” (النحل: 69).
يُقرأ على الماء آيات الرقية ثم يُشرب أو يُغتسل به، كما يمكن مزجه بالعسل وتناوله على الريق. هذا المزيج يقوي الجسم وينقّي النفس من آثار السحر. كما يُستخدم ماء زمزم لما له من بركة عظيمة، فقد قال ماء زمزم لما شُرب له”.
الشفاء لا يكون بالماء أو العسل وحدهما، بل بنية صادقة ويقين بالله، فهو وحده القادر على إزالة الأذى ودفع الضرر.

التحذير من الدجالين والمشعوذين

في زمننا، انتشر من يدّعون علاج السحر وهم في الحقيقة دجالون ومشعوذون يستغلون ضعف الناس وجهلهم. يستخدمون الطلاسم، والبخور الغريب، ويدّعون رؤية الغيب أو التعامل مع الجن. 

التحذير من السحرة والدجالين

وقد نهى النبي عن تصديق هؤلاء، لأنهم يفسدون العقيدة ويأخذون أموال الناس بالباطل. يجب على المسلم أن يلجأ إلى العلاج المشروع بالقرآن والدعاء فقط، وأن يبتعد عن كل من يدّعي علم الغيب أو يستخدم وسائل غير شرعية. العلاج الحقيقي هو ما وافق كتاب الله وسنة رسوله ، لا ما وافق الأهواء أو الطرق المظلمة.

السحر بين الحقيقة والخرافة

الفرق بين السحر والوهم

يخلط كثيرون بين السحر الحقيقي والوهم النفسي. فالسحر له وجود حقيقي بإذن الله، وقد يؤثر في الإنسان جسدياً أو نفسياً، أما الوهم فهو تصور ذهني ناتج عن الخوف أو الإيحاء. أحياناً يتوهم الناس أن كل مرض أو فشل سببه السحر، وهذا خطأ شائع. 

يجب على المسلم أن يوازن بين الإيمان بالغيب والعقلانية، فلا ينكر وجود السحر ولا يبالغ في نسبته لكل أمر. التمييز بين السحر والوهم يحمي الإنسان من الخوف المرضي، ويجعله يعتمد على العلاج العلمي والديني معاً بثقة ويقين.

علم النفس وتفسير ظواهر السحر

علم النفس الحديث يرى أن بعض مظاهر السحر قد تكون نتيجة للضغوط النفسية أو الصدمات التي تُحدث اضطرابات في السلوك والإدراك. فالشخص الذي يعاني من توتر دائم أو وساوس قد يفسر حالته بأنها سحر. ومع ذلك، لا يُنكر العلماء وجود حالات خارقة يصعب تفسيرها علمياً. 

لذلك، من المهم الجمع بين العلاج النفسي والروحي، لأن كثيراً من الحالات تتحسن بالرقية والدعاء مع الدعم النفسي. السحر لا يُفسر فقط علمياً أو دينياً، بل يتطلب فهماً شاملاً للإنسان من جميع جوانبه الجسدية والعقلية والروحية.

آثار السحر على الأفراد والمجتمعات

السحر يترك آثاراً مدمرة على الأفراد والعائلات والمجتمعات. فقد يؤدي إلى التفريق بين الأزواج، والعداوة بين الأصدقاء، وانتشار الخوف والريبة. على المستوى الاجتماعي، يضعف السحر الثقة بين الناس ويُغذي ثقافة الشك والاتهام. كما أنه يفتح الباب أمام الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون حاجة الناس وضعفهم. 

انتشار السحر يؤدي إلى تراجع الوعي والإيمان، ويُبعد الناس عن الحلول الشرعية والعلمية. لذا، محاربة السحر تبدأ من التربية الإيمانية ونشر العلم الصحيح الذي يربط الإنسان بالله ويُحصّنه من كل شر.

دعوة الإسلام للتوكل على الله وترك الخوف من السحر

الإسلام يدعو المؤمن إلى التوكل على الله وحده، وعدم الخوف من السحر أو العين. قال تعالى: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” (الطلاق: 3).
فالخوف الزائد من السحر يمنح الشيطان سلطة على النفس. على المسلم أن يثق أن لا ضرر ولا نفع إلا بإذن الله، وأن يتسلح بالأذكار والعبادات، ويبتعد عن المعاصي. فالله هو الحافظ والمعين، ومن لجأ إليه فلن يضره سحر ولا شيطان. التوكل الصادق واليقين القوي هما السلاح الحقيقي الذي يُبطل السحر ويمنح المؤمن سكينة وطمأنينة مهما كانت الظروف.

ختاما إنّ السحر حقيقة واقعة حذّر منها الله ورسوله ، وهو من أخطر أبواب الشرك والضلال، لما يسببه من أذى للناس واضطراب للمجتمعات. وقد تناولنا في هذا المقال مفهوم السحر، أنواعه، أضراره، وطرق علاجه والوقاية منه بالتحصين الشرعي. 

علينا أن ندرك أن السحر لا يُؤثّر إلا بإذن الله، وأن أقوى سلاحٍ ضده هو الإيمان والتوكل والرقية بالقرآن الكريم. كما يجب نشر الوعي ومحاربة الخرافة والدجل، لأن الجهل هو الباب الذي يدخل منه السحرة والمشعوذون. فلنحصّن أنفسنا بالأذكار والعبادة، ولنجعل يقيننا بقدرة الله فوق كل خوف، فهو وحده الشافي المعافي، القادر على أن يُبطل كل سحرٍ بإذنه سبحانه وتعالى.


تعليقات