الاضرحة والزوايا

الاضرحة والزوايا

يعد المغرب من أكثر الدول العربية والإسلامية احتضاناً للزوايا والأضرحة والمزارات، حيث لا تكاد تخلو قرية أو مدينة من ضريح أو مزار، مما جعله يُعرف ببلد الألف ولي. تحظى الزوايا والأضرحة في المغرب بحضور وأهمية كبيرة داخل نسيج المجتمع وحياته، ولها جذور عميقة في تاريخه الديني والسياسي منذ عهد الأدارسة وصولاً إلى العلويين الذين يحكمون المغرب اليوم. ارتبطت الزوايا والأضرحة من جهة بالنسب الشريف والانتساب لآل البيت، مما عزز الأيديولوجية الشريفية، ومن جهة أخرى بالتصوف الذي اتخذ أشكالاً متعددة، من التصوف الفردي الذي يمثله مزار الضريح، إلى التصوف المؤسساتي الذي يتمثل في الزاوية. لعبت الزوايا دوراً مهماً في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة في فترتي ما قبل وأثناء الاستعمار، حيث كانت الزاوية بمثابة سلطة محلية مدعومة من أعيان القبيلة وسكانها، وتمكنت من فرض نفسها على "المخزن" (الدولة المركزية) كقوة حقيقية. كما لعبت دوراً في إطعام المحتاجين وتغذيتهم خلال المجاعات، وإيواء الفقراء في فترات الأزمات والحروب، معتمدة في ذلك على أملاكها الخاصة، بالإضافة إلى تلقي الهبات والهدايا المستمرة أو ما يُعرف بالزيارة.
التدين الشعبي والتدين الروحي في المغرب

التدين الصوفي ودعم السلطة

الإسلام الصوفي والزوايا في المغرب من أكثر التجمعات الدينية التي لا تشكل تهديداً للسلطة، مما يجعلها محبذة لدى الحكومة. هذا الأمر يفسر دعم الدولة للزوايا وتقدير نخبها ومنحها الهبات والهدايا. منذ تسعينيات القرن الماضي، ومع ظهور التيارات السلفية وحركات الإسلام السياسي، اتبعت الدولة سياسة إحياء الطرق الصوفية. التدين الصوفي يختلف بشكل كبير عن التدين الشعبي التقليدي المرتبط بالزوايا والأضرحة، حيث يُعتبر تديناً طقوسياً وسلمياً بعيداً عن السياسة. في المقابل، تدعو حركات الإسلام السياسي لتغيير النظام وإقامة الخلافة، وتتبنى بعض الحركات السلفية العنف والجهاد ورفض النظام القائم.

استراتيجية الدولة ومهرجانات الزوايا

اعتمدت الدولة استراتيجية توظيف القوى الاجتماعية والسياسية الموالية لها، من خلال دعم الزوايا بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا الدعم ساهم في نجاح الدولة في خلق توازن قوي. تنظم الزوايا مهرجانات سنوية، وغالباً ما تفتتحها السلطات المحلية التي تقدم هبات نقدية وتساعد في تنظيم وتأمين المولد أو "الموسم". يلعب الإعلام دوراً كبيراً في الترويج لهذه الزوايا من خلال البرامج التعريفية والمتابعة الإعلامية للاحتفالات السنوية.

الفرق بين الأضرحة والزوايا

هناك تباين واضح بين الأضرحة والزوايا من حيث الفئات الاجتماعية التي ترتادها والوظائف السياسية لكل منهما. التدين الشعبي في المغرب يتراجع ويبقى محصوراً بالطبقات الفقيرة التي تزور أضرحة الأولياء الصالحين للتبرك، بينما يتعاظم نفوذ الزوايا، أو ما يسمى "التدين الروحي"، في بعض المناطق. ظهرت زوايا جديدة استطاعت جذب مريدين من مختلف الطبقات، مما عزز من نفوذها الاجتماعي والسياسي.

الزوايا منظمات دينية مؤثرة

تُعتبر الزوايا مؤسسات قائمة بذاتها، تتميز بوجود ولي مؤسس وشيخ يتوارث القيادة، وتُنظم حلقات الذكر والصلاة حيث يُعامل شيخ الزاوية بتقدير كبير. يمتد تأثير بعض الزوايا إلى دول إفريقية، مثل الزاوية التيجانية التي امتد تأثيرها من فاس إلى بلدان المغرب العربي والعديد من الدول الإفريقية. كما استقطبت الزوايا العديد من المريدين الغربيين الذين ينسجمون مع الطابع الروحاني للممارسات الدينية، مثل الزاوية البودشيشية التي تعرف انتشاراً كبيراً في المنطقة الشرقية للمغرب، وتجذب مريدين من داخل وخارج البلاد.

تأثير العولمة على التدين الشعبي

شهد المجتمع المغربي تغيرات كبيرة بفعل العولمة والانفتاح على الثقافات الأخرى، مما أدى إلى تراجع دور الأضرحة في حياة الأفراد. رغم ذلك، لا تزال هذه المعتقدات قائمة، حتى في المجتمعات الأكثر عقلانية.
الزوايا والأضرحة في المغرب: بين المتخيل والمقدس

حكايات الأولياء والوليات

تعتمد الأضرحة والزوايا في المغرب على ما يُعرف بكرامات الولي، حيث يُدفن في قبر خاص به وليس في مقبرة عامة، أو قد يُدفن داخل الزاوية نفسها. يتم تشييد بناء فوق القبر مغطى بأثواب خضراء مزينة بآيات قرآنية، لربط المكان بالدين الإسلامي وتأكيد شرعيته أمام الزوار الذين ينكرون أن ما يقومون به من ممارسات دينية يعتبر خروجًا عن الإسلام أو شركًا بالله، طالما أن الولي متصف بالورع والتقوى.
لكل ولي قصصه الخاصة وكراماته التي تتجاوز حدود العقل أحيانًا، وتندرج في إطار الأساطير التي يتوارثها الأجيال، مما يجعلها محل ثقة، خاصة بين الأميين أو من يعتقد بقدرات الأولياء الفوق طبيعية التي وهبها لهم الله نتيجة لالتزامهم الديني وزهدهم. وبالتالي يُعتمد عليهم في الوساطة مع الله الذي يستجيب لهم. على الرغم من أن هؤلاء الأولياء قد ماتوا، إلا أنهم في نظر من يزورهم ويسعى لبركاتهم أحياء، قادرون على حل مشاكلهم.
من الملفت أن الزوايا في المغرب ليست حكرًا على الذكور، فهناك العديد من الأضرحة التي تحمل أسماء نساء عُرفن بالتقوى والورع وتتم زيارتهن والتبرك بهن كما يحدث مع أضرحة الرجال. كما يوجد في المغرب أضرحة مقدسة لليهود، تُنظم لها موالد وزيارات سنوية من قبل يهود مغاربة ويهود من مختلف دول العالم، يقيمون خلالها صلوات ويتبركون بها بنفس الطريقة التي تحدث عند أضرحة المسلمين.

أولياء بمهام خاصة

ما زالت قدرات الأولياء في خيال شريحة كبيرة من المجتمع المغربي تؤمن بكراماتهم وبركاتهم. وعلى هذا الأساس يتم اللجوء إليهم لتحقيق أمور دنيوية والتبرك بهم، وللشفاء من الأمراض. كما أن بعض الزوايا والأضرحة تخصصت في أمور معينة، مثل شفاء أمراض محددة أو تيسير الزواج وإنجاب الأطفال وإرجاع الغائب. ويُقدم الزوار الهبات والهدايا لخدام الضريح، الذين غالبًا ما يكونون من أحفاد الولي أو سكان المنطقة، ويعتمدون على هذه العطايا كمصدر رزق. ترتفع قيمة الهبات إذا تحقق المراد وقضيت حاجة الزائر، وغالبًا ما تكون الهبات أموالًا أو ذبائح تُقدم لدعم القائمين على خدمة الضريح أو كقربان للضريح نفسه.
حول الضريح، تنتشر دور وأماكن مخصصة لممارسة طقوس الشعوذة وقراءة الطالع وفك السحر. وما زال رواد العديد من الزوايا في المغرب يقيمون جلسات الذكر وليالي الصلاة مع رقصات خاصة تعرف بالحضرة، كما هو الحال في الزاوية البودشيشية والدرقاوية والكركية وغيرها.

دعم التدين الشعبي والزوايا

لاحظت السلطات في السنوات الأخيرة أهمية دعم التدين الشعبي والزوايا، فقامت بإحياء زوايا وموالد بعض الأضرحة التي كانت شبه منسية. معروف عن الزوايا أنها لم تكن تسعى لتحقيق طموحات سياسية قوية، خاصة بعد الاستقلال. ومع ذلك، هناك زوايا كان لها نشاط سياسي حقيقي، مثل الزاوية الخمليشية التي تأسست على يد الشيخ "سيدي يحيى خمليش" في أواخر القرن السابع عشر. هذه الزاوية تمكنت من استقطاب شريحة كبيرة في المجتمع الريفي الأمازيغي، وتوسعت لتشمل العديد من القبائل بمنطقة الريف، التي انتظمت في شكل كونفدرالية بقيادة شيخ الزاوية. وكانت لها، بالإضافة إلى نشاطها الروحي، نشاط سياسي وعسكري، مما منحها خصوصيتها واستقلاليتها حتى اليوم، حيث تشكلت كسلطة سياسية قائمة بذاتها في دائرة نفوذها مقابل السلطة المركزية.

انتشار القبور التاريخية والتحولات السوسيولوجية في المغرب.

في مختلف مناطق المغرب، سواء النافع منها أو غير النافع، تنتشر العديد من القبور التي تعود إلى حقب ما قبل الإسلام، ويصل طول بعضها إلى أكثر من إحدى عشر ذراعًا. كانت هذه القبور محل تقديس وتبجيل من قبل الأهالي والزوار على حد سواء. إلا أن معظم هذه القبور تعرضت للحفر والتنقيب من قبل المولعين بجمع الكنوز والتحف الأثرية، مما دفع بعض الأهالي إلى التوقف عن عبادتها وتقديسها.

التحولات السوسيولوجية والاقتصادية

في الوقت الحاضر، شهدت بعض القرى المغربية تحولات سوسيولوجية واقتصادية كبيرة، من خلال ربط المناطق القروية بالماء والكهرباء. هذا التطور سمح للنساء باستخدام آلات الغسيل والعجن والطبخ، مما جعل حياتهن أسهل وأقل عبئًا. لم يعدن مضطرات لحمل حزم الحطب على ظهورهن أو جلب الماء من العيون والآبار باستخدام الدواب. يعود الفضل في هذه التحولات إلى جهود المنظمات المحلية والدولية، وليس السلطات المركزية فقط.

تأثير التحولات على حياة النساء

هذه التحولات أثرت بشكل كبير على حياة النساء في القرى، حيث مكنتهن من التحرر من الأعمال الشاقة اليومية وتوفير وقت وجهد كبيرين. إن التطور الذي شهدته هذه المناطق لم يكن ممكنًا لولا التعاون المثمر بين المنظمات المحلية والدولية، مما ساهم في تحسين جودة الحياة وتوفير البنية التحتية اللازمة للنمو والتطور.

من يحمي أضرحة المغرب اليوم؟

دور السلطات في حماية الأضرحة

تتولى السلطات العليا والسفلى في المغرب مسؤولية حماية الأضرحة والإشراف على المواسم التي تُنظم حولها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه الأنشطة. بينما تواجه تحديات في تأميم المدارس والمستشفيات، تركز الدولة جهودها على حماية قبور الأولياء ومواسمهم، وتردع كل من يشكك في كراماتهم أو ينتقد حكاياتهم الأسطورية.

مواجهة المعارضة الدينية

تحظر السلطات على الحركات الأصولية السلفية المتطرفة انتقاد المزارات أو السعي إلى تسوية قبور الأولياء بالأرض، اتباعًا لنهج الوهابية الذين سووا قبور الصحابة في الحجاز عام 1925. تعتبر هذه الحركات زيارة الأضرحة وثنية وشركًا، ويطالبون بوقف تأميم وتنظيم الدولة للمواسم التي يرونها خرافية.

الرأي اليساري

يرى بعض اليساريين أن عبادة الأضرحة تسهم في تخلف المغاربة، إذ يعتقدون أن الأموات يمكنهم نفع الأحياء. ورغم ذلك، تستمر الأضرحة لأنها تتماشى مع الإسلام الرسمي المخزني، الذي يقوم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الإمام الجنيد السالك.

الأضرحة كتراث مادي ولا مادي

يعتبر العديد من المغاربة الأضرحة جزءًا من التراث المادي، والطقوس التي تقام حولها تراثًا لا ماديًا. تفتخر بعض القرى والمناطق بوجود الأضرحة، التي تلعب دورًا اقتصاديًا محوريًا في حياة السكان المحليين، خصوصًا من نسل الأولياء أو من يعيشون في كنفهم. تعتبر الأضرحة مصدر رزق لهم، وتسهم في تحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي.

الأضرحة والسياسة

تؤدي الأضرحة دورًا سياسيًا مهمًا، حيث يمكن لأحد أحفاد الولي أن يؤثر على الكتلة الناخبة بتوجيههم للتصويت لشخص معين، وذلك خوفًا من سخط الولي. هذا التأثير يجعل من الأضرحة قوة سياسية مؤثرة، مما يدفع السياسيين إلى تقديم الهدايا والقرابين لضمان دعمها.

علاقة الدولة بالزوايا

تاريخيًا، استخدمت الدولة أساليب مختلفة لبسط نفوذها على المناطق غير الخاضعة لها، بما في ذلك استمالة شيوخ الزوايا. سعى المخزن إلى احتواء الزوايا وكسب رضاها من خلال حمايتها وتقديم الامتيازات لها، مما منحها حصانة مادية ومعنوية وأبعد عنها جشع القواد والشيوخ.

أولياء السوء

في المغرب اليوم، يعتقد الكثيرون بقدرة الأموات على نفع الأحياء، ويُطلق على المدفونين في الأضرحة لقب "الصالحين والصالحات" رغم عدم وجود شهادات تثبت صلاحهم. يزعم البعض أنهم يشفون المرضى ويهبون الذكور للعقيم، ويحملون لقب "الأولياء والسادات" بسبب معرفتهم بالله ومواظبتهم على الطاعات.

الفرق بين الأولياء الحقيقيين والمدعين

يُقسم المغاربة الأولياء إلى قسمين: "الأولياء الصالحون والوليات الفالحات"، وهم نادرون اليوم، و"أولياء السوء"، وهم المدعون للولاية والقدرات الخارقة. يرى عبد الله حمودي أن المهداوية تاريخيًا في المغرب كانت تعد إيديولوجية سياسية للمغاربة، وهي تعبير عن التوجهات الروحية والاجتماعية والسياسية للبلاد.

إنفاق وزارة الأوقاف على الأضرحة والزوايا: تقرير يكشف التفاصيل

ميزانية ضخمة للأضرحة والزوايا

كشف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في جلسة برلمانية بمجلس النواب، أن الوزارة أنفقت أكثر من 14.6 مليار سنتيم على الأضرحة والزوايا. هذا المبلغ يعادل 146 مليون درهم، وقد تم تخصيصه في إطار الهبات السنوية التي تُقدم للقائمين على الأضرحة والزوايا بهدف صيانتها والحفاظ عليها من الزوال.

تفاصيل المعطيات

لأول مرة، قدم الوزير التوفيق معطيات توضح أن المغرب يضم 5038 ضريحًا. وأكد أن هذه الأضرحة تشكل نماذج بشرية تجسد القيم الإنسانية للمغاربة، مما يدفعهم إلى بناء قباب فوقها كرمز للاحتفاء والتقدير.

أهمية الأضرحة في المجتمع المغربي

تعد الأضرحة والزوايا جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والديني في المغرب، وتلعب دورًا مهمًا في الحياة الروحية والاجتماعية للمجتمع. الدعم المالي الذي تقدمه وزارة الأوقاف يعكس التزام الدولة بالحفاظ على هذه المواقع التراثية وتعزيز دورها في الحفاظ على القيم الإنسانية التي تمثلها.

أثر الإنفاق

إن تخصيص هذه الميزانية الضخمة للأضرحة والزوايا يهدف إلى ضمان استمرارية هذه المواقع كمراكز دينية وروحية، تعكس تراثًا غنيًا وتاريخًا عريقًا. وبفضل هذا الدعم، تظل الأضرحة والزوايا مصدر فخر واعتزاز للمغاربة، وتستمر في لعب دورها الحيوي في المجتمع..

الفرق بين أولياء الأمس وأولياء اليوم: احترام الماضي وإحباط الحاضر

الفرق بين أولياء الأمس وأولياء اليوم: احترام الماضي وإحباط الحاضر أما أولياء اليوم، فإنهم يفتقرون إلى أي رأسمال رمزي أو إشعاع علمي أو اجتماعي. يُصفون من قبل بعض المغاربة بـ "النصابين والمحتالين"، لا يتوضؤون ولا يصلون ولا يصومون. يوهمون الأميين والجهال والأثرياء بامتلاكهم قدرات خارقة على جلب الخير والأزواج والعمل، وإبعاد الحسد، ودفع العين، وإبطال السحر. يعيشون عالة على المجتمع المغربي الخرافي.
هؤلاء الأولياء المزيفون اليوم يسعون فقط لجمع الثروات والحصول على المنافع. يسطون على أموال اليتامى والأرامل وينهبون خيرات المغرب باسم خرافة "الشرف" وادعاء انحدارهم من سلالة الصالحين. لا يزورهم المثقفون والراسخون في العلوم الاجتماعية والقانونية، لأنهم لا يؤمنون بالترهات والخرافات.
يظهر من تصرفات هؤلاء الأولياء المزيفين أنهم لا يعرفون شيئًا عن أمور الدين ولا نواهيه. يكذبون على الدهماء ويحتالون على السوقة، ويوهمون الأغنياء بأن دعواتهم مستجابة. يوظفون الرأسمال الرمزي لأصولهم وفروعهم لتحقيق مآربهم وللسيطرة على المجتمع والعيش على حساب الدولة والشعب.
يعيش هؤلاء الأولياء الكسالى الجهلاء على حساب المؤمنين بالفكر الخرافي، من مؤسسات حكومية وأهلية. يتلقون هبات معتبرة تكفي لتشييد آلاف المدارس والمستشفيات في البلاد، لكنهم لا يقدمون أي نفع للبشرية ولا خدمة للوطن، بل ينشرون الثقافة القدرية التي تساهم في إذلال المجتمع.
في المقابل، كان قدماء الصوفية منقطعون للعبادة وفعل الخير. أما أولياء اليوم، فهم يسعون لجمع الأموال وتشييد العمران وإنشاء المطاعم والفنادق والمقاهي. كانت زوايا السلف ملجأ للهاربين من الجرائم ومقراً للتداوي، تجمع بين المريدين وشيوخها من خلال الزيارات والهدايا، وتسهم في إطعام الفقراء وإيواء المحتاجين.
كان يشرف على الزوايا "مقدم" معروف برجاحة العقل والتقوى، يعمل على هداية الناس ويضمن الاحترام والتبجيل بين المريدين. كان يحكم بالعدل ويصلح بين القبائل والأفراد، بعكس أولياء اليوم الذين ينشرون الفكر العنصري ويبثون الفُرقة.
يبدو أن امتلاك الزوايا للمعرفة الدينية والصلاح والشرف كان أساساً لتمتين علاقاتها مع القبائل والمريدين، على عكس أولياء اليوم الذين فقدوا تلك القيم واستبدلوها بالطمع والجشع.

المجتمع المغربي بين القدرية والخرافة والواقع المعاش

في الزمن الحاضر، يبدو أن المجتمع المغربي غارق في القدرية والخرافة، بعيداً عن واقع الحياة اليومية. يعتقد البعض أن الأموات يمكنهم أن ينفعوا الأحياء، في حين يفضل العامة زيارة الأضرحة بدلاً من الخروج إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. يفضلون التمسك بالقدرية والخضوع للوضع القائم بدلاً من السعي نحو توزيع عادل لخيرات البلاد وفصل السلطة عن الثروة.
مطالبة هؤلاء الناس بمحاكمة ناهبي المال العام والمطالبة بالحقوق والحريات والمساواة في الاستفادة من ثروات الوطن تبدو مؤجلة إلى ما بعد الموت، حيث يعتقدون أنهم سينعمون بالحياة الكريمة في الجنة. شعارهم هو الصبر، ويعتقدون أن الفقر والجوع ابتلاء من السماء، لا نتيجة لسياسات نهب المال العام في بلد غني بموارده.
ينتظرون الفرج من قبور الأموات، معتقدين أن الأموات سيوزعون عليهم ثروات البلاد بالتساوي. يقضون أوقاتهم في الدعاء والابتهال دون نتيجة ملموسة، بدلاً من النزول إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بالحريات ونصيبهم من الثروات التي تهرب إلى الخارج.
الفقراء في المغرب بحاجة إلى الدواء والتعليم والشغل والطعام، وليس إلى الرقصات البهلوانية والدروشة، أو اتهام الشيطان بسرقة قوتهم وثرواتهم. يتحدث المؤمنون بالخرافات عن رجال ماتوا منذ أكثر من ألف عام ولا يتحدثون عن القضايا الحالية، مما يجعلهم يعيشون في زمن ميت دون خطة لمواجهة الواقع.
والنتيجة؟ مجتمع قدري، كسول ومنبطح، يعيش خارج الزمن الراهن، خاضع لسلطة الأموات الذين رحلوا منذ قرون. تربي الأجيال الشابة على العبودية وتقديس الحكام، مما يؤدي إلى مجتمع من الرعايا وليس المواطنين، يطيعون النظام الحاكم طاعة عمياء دون نقد أو تفكير، مما يسهل على النخب الحاكمة التحكم في الحشود العامة.

حكم زيارة الأضرحة والقبور في الإسلام

السؤال: هل زيارة القبور وأضرحة الأولياء جائزة في الإسلام؟

الجواب: زيارة القبور لها تفصيلات مهمة. إذا كان الهدف من الزيارة هو العبرة والاعتبار بالموت والآخرة، والدعاء للأموات والترحم عليهم، فإن هذه الزيارة مشروعة. قال النبي ﷺ: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه برقم 976، والنسائي في كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك برقم 2034.
وكان النبي ﷺ يُعلم أصحابه عند زيارة القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
هذه الزيارة الشرعية تخص الرجال دون النساء، لأن النبي ﷺ لعن زائرات القبور، مما يدل على أن هذه الزيارة تخص الرجال فقط.
في بداية الإسلام، كانت زيارة القبور ممنوعة على الجميع، رجالًا ونساءً، بسبب تعلق الناس بالأموات. لكن فيما بعد، رُخص للرجال في الزيارة، بينما استمر المنع للنساء. الحكمة في ذلك هي أن النساء قد لا يصبرن عند زيارة القبور، وقد تحدث لهن فتنة بتذكر الأقارب والأحباب. لذا، منعهن الله من زيارة القبور لئلا يفتن أو يفتن غيرهن. أما الرجال، فقد أذن لهم بالزيارة لتكون مصدر اعتبار وترحم على الموتى، وتذكر الآخرة.
إذا كان الميت كافراً، فإن زيارة قبره تكون للذكرى والاعتبار فقط، بدون الدعاء له أو السلام عليه، كما فعل النبي ﷺ عندما زار قبر أمه واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له.
هناك نوع آخر من الزيارة غير جائز، وهي زيارة القبور لدعاء الأموات والاستغاثة بهم، أو النذر لهم، أو طلب المدد والعون، أو التمسح بالقبور والطواف حولها. هذه الزيارة بدعية ومنكرة، كما يفعل بعض الجهلة مع قبور الأولياء كالحسين والبدوي والشيخ عبدالقادر.
فالزيارة الشرعية تشمل الدعاء للأموات والتذكر بالموت والآخرة، وهي مأمور بها. أما الزيارة البدعية، مثل الدعاء والاستغاثة بالأموات والتمسح بقبورهم، فهي محرمة وتصل إلى الشرك الأكبر.
وفق الله الجميع لما يرضيه وأصلح نياتنا وأعمالنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (28/111).

تعليقات