القمار هو أحد أخطر الآفات الاجتماعية التي تهدم القيم وتفكك الأسر وتغوي النفوس بالمال السريع. في جوهره، يقوم القمار على المغامرة بالمال في لعبة حظ، حيث يربح طرف ويخسر آخر بلا عمل أو إنتاج. انتشرت المقامرة اليوم في صور متعددة: من الكازينوهات الفاخرة إلى تطبيقات المراهنات الإلكترونية وألعاب الإنترنت التي تخفي الرهان تحت غطاء التسلية.
![]() |
| القمار طريق الادمان والفقر |
القمار ليس مجرد لعبة؛ إنه طريق للإدمان والفقر والتشتت. وقد حذر الإسلام منه تحذيرًا شديدًا، لما فيه من ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل. في هذا المقال، سنستعرض القمار من جوانبه المختلفة: الدينية والاجتماعية والاقتصادية، مع بيان النصوص القرآنية والنبوية التي حرّمته صراحة.
القمار وأشكاله الحديثة
تعريف القمار لغةً وشرعًا
القمار في اللغة مأخوذ من "قَمَرَ" أي غلب، ومنه قولهم: "قامره على ماله"، أي غلبه في الرهان. أما في الشرع، فالقمار هو كل معاملة يكون فيها طرف رابح وطرف خاسر دون تبادل حقيقي للمنفعة، وغالبًا ما تعتمد على الحظ لا على الجهد. وقد سمّاه القرآن "ميسرًا" لأن أحد الطرفين ينال ماله بيسر وسهولة من غير كدّ أو تعب. القمار لا يقوم على عدالة ولا على عمل، بل على مقامرة بالمال والعقول، وهو ما يجعل الإسلام يحرّمه تحريمًا قاطعًا لأنه يفسد النفوس ويدمّر العلاقات.
صور القمار القديمة والحديثة
عرفت المجتمعات القديمة صورًا من القمار كالنرد والرهان على السباقات، لكنها كانت محدودة النطاق. أما اليوم، فقد تنوعت أشكاله واتسع خطره مع التكنولوجيا. من أشهر أنواعه الحديثة: القمار عبر الإنترنت، المراهنات الرياضية، ألعاب الكازينو الرقمية، القمار عبر العملات المشفرة، وحتى بعض تطبيقات الألعاب التي تعتمد على دفع المال للفوز بجوائز وهمية.
هذه الأنشطة تتسلل تحت أسماء براقة مثل “الترفيه” أو “التحدي”، لكنها في حقيقتها قمار صريح يفسد الأخلاق ويستنزف الأموال، ويزرع في الناس وهم الثراء السريع دون عمل أو مسؤولية.
الفرق بين التسلية المشروعة والقمار المحرّم
من الخطأ أن يخلط الناس بين اللعب البريء المباح وبين القمار المحرّم. فالإسلام لا يمنع الترفيه، بل يشجع على التسلية المباحة التي تُنعش الجسد والنفس دون ضرر أو إسراف. الفرق الجوهري أن التسلية المشروعة لا تقوم على الرهان المالي ولا على إلحاق الضرر بالآخرين. أما القمار، فأساسه المخاطرة المالية وأمل الربح دون جهد، وهو ما يجعله ظلمًا وعدوانًا. اللعب المباح يقوم على المهارة، بينما القمار يقوم على الحظ. لذا، يجب على المسلم أن يفرّق بينهما، وألا ينخدع بالأسماء الزائفة التي تحاول تزيين الحرام بثوب المتعة والتحدي.
الدوافع وراء انتشار القمار
حب المال السريع والطمع في الربح دون جهد
من أبرز دوافع انتشار القمار بين الناس الطمع في الحصول على المال السريع دون تعب أو مجهود. الإنسان بطبيعته يميل إلى تحقيق المكاسب بأقل الطرق، ومع ضعف الإيمان وغياب الوعي، يصبح القمار وسيلة مغرية لمن يبحث عن الثراء السهل. الدعاية المضللة التي تَعِدُ بالفوز السريع تُغري ضعاف النفوس، فيقع الكثيرون في فخّ الخسارة والإدمان. الإسلام حذّر من هذا السلوك، لأن المال الحلال لا يُنال إلا بالعمل الشريف. فالقمار، وإن بدا طريقًا للربح، إلا أنه في حقيقته طريق للفقر والانهيار، لأن ما بُني على الحرام لا يدوم ولا يبارك الله فيه.
الهروب من الواقع والضغوط النفسية
كثير من المقامرين يبدأون رحلتهم مع القمار كوسيلة للهروب من همومهم ومشاكلهم اليومية. يشعر البعض بأن المقامرة تمنحهم فرصة للراحة المؤقتة من الضغوط، أو تعويض فشلهم في مجالات الحياة الأخرى. لكن الحقيقة أن القمار لا يُخفف المعاناة بل يضاعفها. فالمقامر يعيش في دوامة من الخسارة، والندم، والشعور بالذنب. ومع الوقت، يصبح الإدمان عادة يصعب الخلاص منها. هذه الحالة تُظهر كيف يتحوّل القمار من لعبة إلى مرض نفسي خطير. العلاج الحقيقي يبدأ بالإيمان، والصبر، والبحث عن طرق مشروعة لتحسين الواقع بدلًا من الهروب منه.
دور الإعلام والتقنية في انتشار القمار
ساهم الإعلام الحديث والتطور التكنولوجي في تسهيل الوصول إلى القمار بشكل غير مسبوق. فالإعلانات على الإنترنت، وتطبيقات الهواتف، ومنصات الألعاب الرقمية، تروّج للقمار بأسلوب جذّاب يخدع المستخدمين، خصوصًا الشباب. يتم تسويق المقامرة على أنها “تحدٍ ذكي” أو “فرصة للربح”، بينما هي في حقيقتها وسيلة لاستنزاف الأموال والسيطرة على العقول. وقد أصبحت شركات القمار العالمية تستخدم تقنيات الإقناع النفسي لجذب الناس واستمرارهم في اللعب. من هنا، يجب أن تتضاعف جهود التوعية لحماية المجتمع من هذه الموجة الرقمية الخطيرة التي تزيّن الحرام وتجعله يبدو طبيعيًا وممتعًا.
ضعف الوازع الديني وغياب التوعية
السبب الأعمق لانتشار القمار هو ضعف الوازع الديني، وابتعاد الناس عن القيم التي تحصّنهم من الوقوع في المعاصي. حين يغيب ذكر الله من القلوب، يصبح المال والربح غايةً بحد ذاته، بغضّ النظر عن الوسيلة. في المقابل، من امتلأ قلبه إيمانًا يعلم أن الرزق بيد الله وحده، وأن ما عند الله لا يُنال بمعصيته. كما أن ضعف دور الأسرة والمدارس والإعلام في التوعية بمخاطر القمار يزيد من حجم المشكلة. لذلك، من واجب العلماء والدعاة والمربين أن يذكّروا الناس بأن القمار لا يجلب السعادة بل يجلب الندم والخسارة في الدنيا والآخرة.
الآثار النفسية والاجتماعية للقمار
القمار كطريق للإدمان النفسي والسلوكي
القمار ليس مجرد لعبة عابرة، بل باب واسع للإدمان النفسي والسلوكي. يبدأ الشخص بالمشاركة بدافع الفضول أو التسلية، ثم يتحول مع الوقت إلى مدمن لا يستطيع التوقف، مهما خسر. يشعر المقامر بنشوة مؤقتة عند الفوز، تليها خيبة أمل عميقة عند الخسارة، فيدخل في دائرة مغلقة من الأمل واليأس.
هذا الإدمان يدمّر الإرادة ويضعف التركيز ويقود إلى الاكتئاب. وقد صنّفت الدراسات الحديثة القمار كأحد أخطر أنواع الإدمان السلوكي بعد المخدرات، لما يسببه من اضطراب نفسي مستمر. الإسلام في تحريمه للقمار حمى الإنسان من هذه المعاناة النفسية القاسية.
أثر القمار على الأسرة والعلاقات الاجتماعية
حين يدخل القمار حياة شخص، لا يتأثر هو وحده، بل تتأثر أسرته ومجتمعه أيضًا. المقامر عادة يهمل واجباته تجاه بيته، ويبدّد المال الذي يجب أن يُنفق على زوجته وأولاده. ومع تراكم الديون، تبدأ الخلافات الزوجية والمشكلات الأسرية، وقد تنتهي بالطلاق أو التشرد. الأبناء يفقدون القدوة، والأسر تفقد الاستقرار. كما أن الثقة بين الناس تتزعزع عندما ينتشر القمار، لأن أكل المال بالباطل يقتل روح المودة والاحترام. لذلك، فإن القمار لا يُدمّر الأفراد فقط، بل يُهدد النسيج الاجتماعي كله ويزرع الفوضى الأخلاقية في المجتمع.
انتشار الجريمة والدَّين بسبب المقامرة
القمار غالبًا يقود إلى الجريمة، لأن المقامر عندما يخسر أمواله يبحث عن أي وسيلة لتعويض خسارته، حتى لو كانت غير قانونية. فكثير من حالات السرقة والاحتيال والنصب تعود إلى أشخاص مدمنين على المقامرة. كما أن تراكم الديون يجعل الإنسان يعيش في ضغوط دائمة، فيضطر للاقتراض أو الاحتيال على الآخرين. هذا الانحراف السلوكي يبدأ من لحظة ضعف أمام لعبة حظ، لكنه ينتهي بفساد في الأخلاق والمجتمع. الإسلام حرّم القمار لأنه يفتح أبواب الظلم والجريمة، ويُخرج الإنسان من دائرة الأمان إلى عالم القلق والاضطراب.
فقدان القيم والأمان الاجتماعي
حين تنتشر المقامرة في مجتمع ما، تضعف فيه القيم الأساسية مثل الأمانة والعمل والرضا. يتحوّل الناس من منتجين إلى باحثين عن الربح السريع، ومن متعاونين إلى متنافسين على المال بالباطل. القمار يزرع الحسد، ويُميت روح القناعة، ويجعل العلاقات الإنسانية قائمة على المصلحة. كما يؤدي إلى انهيار الثقة بين الأفراد، فيفقد المجتمع توازنه واستقراره. لذلك، مكافحة القمار ليست مسألة أخلاقية فقط، بل قضية أمن اجتماعي واقتصادي. وقد جاء الإسلام ليحافظ على استقرار المجتمعات، بتحريم كل ما يؤدي إلى الفساد والفوضى، وعلى رأسها القمار والميسر.
الآثار الاقتصادية والمالية للقمار
خسائر القمار الاقتصادية على الأفراد
القمار يُعد من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الإفلاس المالي. يبدأ المقامر برهانات صغيرة، ثم لا يلبث أن يخسر مدخراته وأمواله كلها. في سبيل استرجاع ما ضاع، يقترض أو يبيع ممتلكاته، حتى يجد نفسه غارقًا في الديون. القمار ليس وسيلة للربح بل طريقًا للخسارة، لأن الكازينوهات والمواقع الإلكترونية مصممة لتربح دائمًا.
الإحصاءات العالمية تؤكد أن نسبة الفائزين شبه معدومة، بينما الخاسرون بالملايين. المال الذي يُصرف في القمار يُهدر بلا مقابل، ويُسلب من الاقتصاد المنتج الذي يحتاجه المجتمع للنمو والبناء.
تأثير المقامرة على الاقتصاد الوطني
القمار لا يضر الأفراد فقط، بل يؤثر سلبًا في الاقتصاد الوطني. حين تُهدر الأموال في الميسر، تتراجع الإنتاجية، وتزداد البطالة والفقر. الأموال التي تُستنزف في المقامرة تخرج من الدورة الاقتصادية الحقيقية، فتضعف المشاريع وتقل فرص العمل. كذلك، تُعد شركات القمار من أكبر أدوات غسيل الأموال في العالم، مما يهدد الأمن الاقتصادي للدول. لذلك، تحارب الحكومات الرشيدة هذه الأنشطة لحماية الاستقرار المالي. أما الإسلام، فقد سبق التشريعات كلها، حين حرّم القمار لأنه يفسد موارد الأمة ويضيّع طاقات شبابها في ما لا نفع فيه.
استغلال الشركات لحاجة الناس للربح
تستغل شركات القمار حاجة الناس إلى المال ورغبتهم في تحسين أوضاعهم، فتغريهم بإعلانات خادعة وصور للفائزين الأثرياء. لكن الحقيقة أن هؤلاء مجرد أدوات دعائية، بينما الغالبية يخسرون كل شيء. المقامر المسكين يظن أنه على وشك الفوز، فيستمر في اللعب حتى يفقد عقله وماله. إنها تجارة تقوم على الوهم والاحتيال. الإسلام يرفض كل معاملة فيها استغلال للضعفاء أو أكل لأموال الناس بالباطل، قال تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ»، وهذه الآية تشمل القمار وكل صور الغش المالي.
القمار في ضوء الشريعة الإسلامية
تعريف الميسر في القرآن وعلاقته بالقمار
الميسر هو الاسم الذي أطلقه القرآن على القمار، وهو كل لعب يعتمد على الحظ والمخاطرة، يربح فيه طرف ويخسر آخر. وقد نزل تحريمه صريحًا لأنه يفسد الأموال والعقول. فالقمار والميسر وجهان لعملة واحدة، كلاهما يقوم على الحظ لا على العمل. والمال الذي يأتي عن طريق الميسر لا بركة فيه، بل يكون سببًا في غضب الله تعالى. ولذلك قال الفقهاء: "كل ما فيه عوض يعتمد على الحظ وحده فهو ميسر محرّم"، سواء كان في صورة تقليدية أو رقمية حديثة.
الحكمة من تحريم القمار في الإسلام
حرّم الإسلام القمار لأنه يجمع بين عدة مفاسد: إضاعة المال، وإشعال العداوة بين الناس، وتشجيع الكسل والطمع، ونشر الفوضى في المعاملات. القمار يقتل روح العمل ويغري الإنسان بالاعتماد على الصدفة. لذلك، جاء التحريم حمايةً للإنسان من نفسه، وصيانةً للمجتمع من التفكك. إن الإسلام لا يحرم شيئًا عبثًا، بل لأن فيه ضررًا حقيقيًا على الفرد والأمة. من يتأمل الحكمة الإلهية يدرك أن الشريعة تسعى إلى بناء مجتمع قائم على العدالة، لا على المقامرة والخداع.
القمار كوسيلة لفساد المال والنية
المال في الإسلام أمانة يجب أن يُكسب بالحلال ويُصرف في الحلال. أما القمار، فهو وسيلة لفساد المال والنية معًا. فالمقامر يسعى للربح السريع، لا لإعمار الأرض أو نفع الناس. ومن أخطر ما في القمار أنه يُميت روح الرضا بما قسم الله، ويجعل الإنسان ساخطًا دائمًا. المال الناتج عن القمار مال حرام، لا يُقبل في صدقة ولا ينفع صاحبه، بل يكون وبالًا عليه. لذلك، كان القمار بابًا للشيطان يدخل منه إلى القلوب، ليُفسدها ويُبعدها عن الصراط المستقيم.
الأدلة القرآنية على تحريم القمار
الآية الصريحة في سورة المائدة
قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (المائدة: 90).
هذه الآية من أوضح الأدلة على تحريم القمار، إذ جعله الله من أعمال الشيطان وأمر باجتنابه كليًا. وذكر المفسرون أن "الميسر" هو القمار بعينه، لأنه يزرع العداوة والبغضاء بين الناس، ويُبعدهم عن ذكر الله والصلاة، كما ورد في الآية التالية. وهذا التحريم دليل على أن القمار ليس مجرد ذنب صغير، بل من الكبائر التي تهدم الإيمان وتقود للفساد.
معنى الميسر في تفسير العلماء
فسّر ابن كثير وغيره من المفسرين "الميسر" بأنه كل لعب فيه مخاطرة مالية بين طرفين. وسُمّي ميسرًا لأنه يُكسب المال بيسر دون تعب، لكنه في الحقيقة يُفقر صاحبه. كما أشار العلماء إلى أن التحريم يشمل كل أشكال القمار الحديثة، سواء كانت في سباقات، أو ألعاب إلكترونية، أو مراهنات رقمية. فالعبرة ليست بالاسم، بل بالفعل نفسه. لذلك، لا يجوز للمسلم أن يتحايل على النصوص أو يُجمّل الحرام بأسماء جديدة، لأن الميسر يظل حرامًا مهما تغيّرت صوره أو وسائله.
الأثر التربوي لتحريم القمار
تحريم القمار في الإسلام له هدف تربوي عظيم، فهو يعلّم المسلم الصبر، والاجتهاد، والاعتماد على الله في طلب الرزق. حين يبتعد الإنسان عن القمار، يتعلّم القناعة ويزكو قلبه بالرضا. أما المقامر، فيعيش في وهم الحظ والفرص، فلا يرضى بقسمته، ولا يعمل بجدّ. الشريعة أرادت تربية أمة تبني ولا تهدم، تعمل ولا تغامر بأموالها. فالقمار يُميت روح المسؤولية ويجعل الحياة لعبة. لذا، جاء القرآن بتحريمه حمايةً للقلب والعقل والمال من الانحراف والضياع.
الآية الثانية: تحذير من العداوة والبغضاء
قال تعالى في الآية التالية: «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ» (المائدة: 91).
يبين الله أن القمار ليس فقط محرّمًا لأنه يضيع المال، بل لأنه يُفسد القلوب ويزرع الحقد بين الناس. فمن ربح يحتقر من خسر، ومن خسر يحقد على من غلبه، فينشأ النزاع والكراهية. وهكذا يصبح القمار وسيلة للشيطان ليفسد العلاقات بين المسلمين ويُبعدهم عن ذكر الله.
الأحاديث النبوية وأقوال العلماء في القمار
الأحاديث النبوية في تحريم الميسر
قال رسول الله ﷺ: «من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق» (رواه البخاري ومسلم).
في هذا الحديث تحذير شديد حتى من مجرد الدعوة إلى القمار، فكيف بممارسته! كما قال ﷺ: «من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه»، والنردشير كان نوعًا من القمار في الجاهلية. هذه النصوص النبوية تؤكد أن الإسلام سدّ كل طريق يؤدي إلى المقامرة أو تشجيعها، لما فيها من إثم وفساد.
أقوال الصحابة والفقهاء
اتفق الصحابة والفقهاء من بعدهم على تحريم القمار تحريمًا قطعيًا، وعدّوه من الكبائر. قال ابن عباس رضي الله عنه: “الميسر هو القمار، وكل لعب فيه خطر فهو من الميسر”. كما قال الإمام مالك: “كل ما كان فيه عوض من غير مقابل فهو من أكل أموال الناس بالباطل”. إجماع العلماء عبر القرون يؤكد أن القمار لا يليق بمسلم يؤمن بالقدر والرزق الحلال. فالميسر طريق الشيطان، والابتعاد عنه عبادة.
القمار في ميزان الأخلاق الإسلامية
الإسلام دين الأخلاق، وقد جاء ليبني إنسانًا كريمًا يعتمد على عمله لا على الحظ. القمار يقتل روح الأمانة والجد، ويحوّل الإنسان إلى عبدٍ للمال. لذلك، كان تحريمه تربيةً للضمير قبل أن يكون حكمًا فقهيًا. المسلم الحقيقي لا يسعى إلى الربح السريع على حساب الآخرين، بل يبني حياته على الصدق والعمل والإحسان. ومن وقع في القمار فعليه أن يتوب فورًا، لأن التوبة تمحو الذنب وتفتح باب الرحمة.
دعوة للتوبة وطرق العلاج من القمار
من رحمة الله أن باب التوبة مفتوح دائمًا. من ابتُلي بالقمار يستطيع أن يبدأ حياة جديدة بالتوبة والصدق مع الله. أول خطوة هي الاعتراف بالذنب، ثم الابتعاد عن الأماكن والأشخاص المرتبطين بالمقامرة. يمكن للمسلم أن يشغل وقته بالعبادة والعمل والرياضة. كما يُستحب الاستعانة بالمستشارين والدعاة لمساعدة المدمنين على تجاوز هذه المرحلة. القمار داء، وعلاجه في الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: «إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ».
ختاما القمار ليس تسلية بريئة كما يظنه البعض، بل هو طريق للضياع والإثم والفقر. إنه لعبة شيطانية تُغري بالربح وتُنتهي بالخسارة. حذر منه الإسلام حمايةً للإنسان من نفسه، وصيانةً لماله وأخلاقه. فالميسر يدمر الأسر والمجتمعات، ويفسد القلوب بالعداوة والبغضاء. وقد جاءت النصوص القرآنية والنبوية صريحة في تحريمه لأنه أكلٌ لأموال الناس بالباطل. فلنحذر هذه الفتنة، ولنسعَ إلى كسب المال الحلال بالعمل والجهد. ومن تاب من القمار، فليبشر برحمة الله التي وسعت كل شيء. فالسعادة الحقيقية ليست في ربح زائل، بل في قلبٍ راضٍ مطمئن بطاعة الله.



