الوشم

مفهوم الوشم وتاريخه

ما هو الوشم؟

الوشم هو عملية نقش رموز أو أشكال على الجلد باستخدام الإبر الدقيقة التي تُدخل الحبر إلى الطبقة العميقة من البشرة، مما يجعله دائمًا أو شبه دائم. تختلف أهداف الناس من الوشم بين الزينة الجمالية، والتعبير عن الهوية أو الانتماء، أو حتى توثيق الذكريات. 

الوشم أشكال الفن الجسدي

يُعد الوشم من أقدم أشكال الفن الجسدي، وقد تطور عبر العصور ليصبح صناعة قائمة بذاتها تجمع بين الإبداع والحرفية. ومع ذلك، يظل الجدل قائمًا حوله، إذ يعتبره البعض فنًا يعكس الحرية الفردية، بينما يراه آخرون تعديًا على نقاء الجسد الطبيعي ومظهرًا لا يليق بثقافتنا أو قيمنا الدينية والاجتماعية.

تاريخ الوشم عبر العصور

يُعد الوشم من أقدم الممارسات الإنسانية، إذ عُثر على مومياءات مصرية تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام تحمل رسومات دقيقة على الجلد. في الحضارات القديمة، ارتبط الوشم بالطقوس الدينية والرموز السحرية، بينما كان في اليابان دلالة على الانتماء الطبقي، وفي بعض الثقافات وسيلة لتمييز المحاربين أو العبيد. 

أما في أوروبا الحديثة، فقد ارتبط بالبحّارة والسجناء قبل أن يتحول إلى موضة فنية في القرن العشرين. تطور الوشم من رموز بدائية إلى أعمال فنية معقدة تحمل رسائل شخصية، وأصبح اليوم ظاهرة ثقافية عالمية لها مدارسها وتقنياتها الخاصة في الرسم والتصميم.

الوشم في الثقافات المختلفة

يأخذ الوشم معاني مختلفة من ثقافة لأخرى. ففي جزر بولينيزيا يُعتبر رمزًا للشرف والقوة والهوية القبلية، بينما في إفريقيا يدل على الانتماء الاجتماعي أو الطقوس الروحية. أما في المجتمعات الغربية الحديثة، فقد أصبح وسيلة للتعبير عن الذات أو لتخليد ذكرى شخصية. 

في المقابل، يُعد الوشم في المجتمعات الإسلامية والعربية ممارسة مرفوضة دينيًا واجتماعيًا لأنها تغيّر من خلق الله. ومع هذا التباين، يعكس الوشم طبيعة الإنسان الباحث عن التفرد والهوية، ويُظهر كيف يمكن للجسد أن يتحول إلى مساحة للتعبير الفني والرمزي في آنٍ واحد.

تطور مفهوم الوشم في العصر الحديث

شهد الوشم خلال القرن الأخير تحولًا جذريًا من رمز بدائي إلى وسيلة فنية راقية. فقد ساهمت التكنولوجيا في تطوير أدوات دقيقة وأحبار آمنة بألوان متعددة، مما سمح بانتشار فنون الوشم ثلاثي الأبعاد والتصاميم الواقعية. كما دخل عالم الموضة والإعلام، فأصبح نجوم الفن والرياضة من أبرز مروّجيه. 

مفهوم الوشم في العصر الحديث

ومع انتشار وسائل التواصل، صار الوشم جزءًا من الصورة الشخصية للهوية الرقمية. ومع ذلك، لا يزال محل جدل بين القبول والرفض، إذ يقف بين الحرية الفردية والتقاليد الثقافية والدينية التي تحذر من تغييره لطبيعة الجسد الأصيلة.

الوشم من طقوس السحر والشعائر الشيطانية

يُعتبر الوشم في بعض الثقافات والمعتقدات الباطنية أكثر من مجرد زينة أو فن جسدي؛ بل يُستخدم كوسيلة رمزية في طقوس السحر والشعائر الشيطانية. ففي مدارس السحر القديمة والمذاهب الغامضة، كان يُعتقد أن رسم رموز معينة على الجلد، مثل pentagram (النجمة الخماسية المقلوبة) أو عين لوسيفر، يمنح صاحبه قوة خارقة أو حماية من الأرواح. هذه الرموز ليست مجرد نقوش، بل تمثل عند معتنقيها عهودًا بين الإنسان وقوى الظلام، تُستخدم لاستدعاء الأرواح أو تقديم الولاء لما يُسمى “إله النور المظلم”.

الوشم والشعائر الشيطانية

في العصور الوسطى، ارتبط الوشم بطقوس عبادة الشيطان، حيث كان يُستخدم كعلامة انتماء لأتباع الطوائف السرية. ومع انتشار الثقافة الغربية الحديثة، تسربت هذه الرموز إلى عالم الموضة دون وعي بمعانيها الأصلية، فأصبح بعض الناس يضعون وشومًا تحمل دلالات شيطانية دون قصد. وتُحذر العديد من العقائد السماوية من استخدام هذه الرموز لما تحمله من معانٍ روحية خطيرة قد تؤثر في النفس والعقيدة.

من منظور ديني، يُعد الوشم الذي يحمل رموزًا سحرية أو شعارات تمجد الشيطان مخالفة صريحة للعقيدة، لأنه يُمثل تمجيدًا لقوى الشر وتبديلًا للفطرة التي فطر الله الناس عليها. لذلك، يُنصح بعدم اتباع هذه الصيحات دون فهم معانيها، فالجمال الحقيقي لا يحتاج إلى رموز مظلمة ليُعبّر عن ذاته.

أنواع الوشم وتقنياته

الوشم الدائم

الوشم الدائم هو أكثر أنواع الوشم انتشارًا، ويُنفذ بإدخال الحبر إلى طبقة الأدمة العميقة من الجلد باستخدام إبرة كهربائية دقيقة. يلتصق الصبغ بخلايا الجلد، فيبقى النقش لسنوات طويلة دون أن يزول. تختلف الألوان المستخدمة باختلاف الذوق، غير أن الأسود والأزرق والأحمر هي الأكثر شيوعًا. 

أكثر أنواع الوشم انتشارا

رغم جاذبيته الجمالية، إلا أن الوشم الدائم يحمل مخاطر صحية مثل الالتهابات أو الحساسية إن لم تُعقم الأدوات جيدًا. لذلك، يُنصح دائمًا بإجرائه في مراكز مرخصة ومعتمدة طبيًا. كما أن التفكير العميق قبل اتخاذ القرار ضروري، لأن إزالة الوشم الدائم عملية صعبة ومكلفة، وقد تترك ندوبًا دائمة على الجلد.

الوشم المؤقت

الوشم المؤقت يُعد خيارًا آمنًا لمن يرغب في خوض تجربة الزخرفة دون التزام دائم. أكثر أنواعه شيوعًا وشم الحناء، الذي يُستخدم في المناسبات والأعراس منذ قرون طويلة. هناك أيضًا وشوم تُرسم بأصباغ سطحية أو ملصقات جلدية تدوم من عدة أيام إلى أسابيع. يمتاز هذا النوع بسهولة إزالته وعدم حاجته إلى أدوات معقدة. 

الوشم المؤقت - وشم الحناء

ومع ذلك، قد تسبب بعض الأصباغ الصناعية حساسية أو تهيجًا جلديًا، خصوصًا تلك التي تحتوي على مادة “PPD” في الحناء السوداء. لذلك، يُنصح باستخدام منتجات طبيعية ومجربة. الوشم المؤقت وسيلة فنية آمنة ومثالية لمن يرغب في الزينة دون آثار دائمة.

الوشم التجميلي أو المكياج الدائم

الوشم التجميلي، المعروف أيضًا بالمكياج الدائم، هو تقنية تهدف إلى تحسين ملامح الوجه مثل تحديد الحواجب، وتلوين الشفاه، وإبراز العيون بشكل طبيعي. تستخدم فيه أجهزة دقيقة وأحبار تجميلية خفيفة تدوم من سنة إلى ثلاث سنوات. تلجأ إليه العديد من النساء لتصحيح العيوب أو لتوفير الوقت اليومي في وضع المكياج. 

الوشم التجميلي - تحديد الحواجب

ورغم فوائده الجمالية، إلا أن المخاطر تبقى قائمة إن لم تُتبع معايير النظافة والتعقيم. فالإبر الملوثة أو الصبغات الرديئة قد تسبب التهابات وتشوهات يصعب علاجها. لذلك، يُفضل دائمًا اختيار مراكز معتمدة ومتخصصة لضمان نتائج آمنة وطبيعية المظهر.

تقنيات الوشم الحديثة

شهدت تقنيات الوشم الحديثة تطورًا كبيرًا بفضل التكنولوجيا الرقمية. فقد ظهرت أجهزة إلكترونية ذكية تسمح برسم تصاميم معقدة بدقة متناهية، وأصباغ نباتية آمنة تقلل من الحساسية الجلدية. كما برزت تقنيات “الوشم ثلاثي الأبعاد” التي تمنح الرسوم مظهرًا واقعيًا مدهشًا، و“الوشم الأبيض” الذي يستخدم أحبارًا شفافة تناسب أصحاب البشرة الفاتحة. إضافة إلى ذلك، 

تقنيات الوشم الحديثة

ظهرت تقنيات “الوشم بالذكاء الاصطناعي” التي تولد تصاميم فريدة بناءً على ملامح الشخص وشخصيته. ومع كل هذا التقدم، يبقى الجانب الصحي الأهم، فالتعقيم والنظافة المهنية شرط أساسي لأي تجربة وشم آمنة وناجحة.

أضرار الوشم والمخاطر الصحية

الحساسية الجلدية والالتهابات

من أبرز أضرار الوشم حدوث التهابات أو تفاعلات تحسسية في الجلد نتيجة لاستخدام أحبار تحتوي على مواد كيميائية قوية. تظهر الأعراض عادة في شكل احمرار، أو تورم، أو حكة مزعجة، وقد تتطور إلى التهابات بكتيرية حادة إذا لم تُعالج بسرعة. بعض أنواع الحبر، خصوصًا الأحمر والأصفر، تسبب حساسية مزمنة قد تبقى آثارها لسنوات. 

أضرار الوشم وحدوث التهابات في الجلد

كما أن عدم تعقيم الأدوات أو تكرار استخدامها يزيد خطر العدوى الجلدية. لذلك، من الضروري إجراء اختبار حساسية بسيط قبل تطبيق الوشم الكامل، واختيار فنان وشم معتمد يستخدم أدوات معقمة وصبغات طبية آمنة لحماية البشرة من أي مضاعفات محتملة.

انتقال الأمراض المعدية

يُعد انتقال العدوى من أخطر مخاطر الوشم، خصوصًا إذا أُجري في أماكن غير مرخصة أو دون تعقيم كافٍ. فالإبر الملوثة قد تنقل أمراضًا خطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي بنوعيه “B وC”، أو فيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”. وتحدث العدوى عندما تُستخدم نفس الإبرة أو الأدوات لأكثر من شخص دون تنظيفها بشكل طبي صحيح. 

ولهذا السبب، تُلزم بعض الدول مراكز الوشم بإجراءات صارمة تشمل التعقيم بالبخار واستخدام أدوات أحادية الاستعمال. الحفاظ على النظافة الشخصية واختيار مركز موثوق يُعدان خط الدفاع الأول ضد هذه الأمراض التي قد تهدد حياة الإنسان.

المواد الكيميائية السامة والمسرطنة

تشير دراسات طبية حديثة إلى أن بعض أحبار الوشم تحتوي على معادن ثقيلة مثل النيكل والزئبق والرصاص، وهي مواد سامة يمكن أن تتسرب إلى الجسم عبر الجلد. وقد تتراكم هذه الجزيئات في العقد اللمفاوية أو الكبد، مسببة أضرارًا على المدى الطويل. 

بعض أحبار الوشم والمواد الكيميائية 

كما تُظهر أبحاث أخرى أن بعض أصباغ الوشم قد تتحلل بفعل أشعة الشمس أو الليزر لتطلق مركبات كيميائية مسرطنة. لذلك، يحذر الأطباء من استخدام الأحبار مجهولة المصدر أو الرخيصة الثمن. اختيار أحبار مصدق عليها من هيئات صحية رسمية خطوة أساسية لتقليل خطر التسمم أو السرطان المرتبط بالوشم.

تأثير الوشم على الفحوص الطبية والجهاز المناعي

قد يؤثر وجود الوشم على نتائج بعض الفحوص الطبية، مثل الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، حيث تحتوي بعض الأحبار على معادن تتفاعل مع المجال المغناطيسي مسببة سخونة أو ألمًا في المنطقة الموشومة. كما أظهرت دراسات أن الوشم يمكن أن يجهد الجهاز المناعي، إذ يحاول الجسم التعامل مع الحبر كجسم غريب فينتج خلايا دفاعية إضافية. 

هذا التفاعل لا يشكل خطرًا مباشرًا، لكنه قد يؤثر في مناعتهم العامة أو في التئام الجروح. لذلك، يُنصح بإبلاغ الأطباء بوجود وشم قبل الخضوع لأي فحوص أو علاجات طبية.

إزالة الوشم وتقنياته الحديثة

أسباب الرغبة في إزالة الوشم

يقرر الكثير من الأشخاص إزالة وشومهم بعد مرور سنوات لأسباب متعددة. فقد يتغير الذوق الشخصي، أو يندم الفرد على وشم مرتبط بذكرى أو علاقة سابقة، أو يُجبر بسبب متطلبات العمل أو المجتمع. كما أن بعض الوشوم تفقد لونها وجمالها مع الوقت، فتتحول من زينة إلى عبء بصري. 

إلى جانب ذلك، يكتشف بعض الناس أضرار الوشم الصحية أو حرمته الدينية بعد فوات الأوان، فيسعون للتخلص منه. وبفضل التقدم الطبي، أصبحت إزالة الوشم اليوم أكثر أمانًا وسهولة مما كانت عليه في الماضي، مع توافر تقنيات فعالة تقلل الألم والندوب بشكل كبير.

إزالة الوشم بتقنية الليزر

تُعد إزالة الوشم بالليزر الطريقة الأكثر شيوعًا وفعالية في الوقت الحالي. تعتمد هذه التقنية على توجيه نبضات ضوئية عالية الطاقة نحو جزيئات الحبر داخل الجلد، فتُفتت إلى أجزاء صغيرة يتخلص منها الجسم تدريجيًا عبر الجهاز اللمفاوي. تحتاج العملية عادة من ست إلى عشر جلسات تفصل بينها أسابيع، ويختلف عددها حسب لون الحبر وعمق الوشم. 

ألوان مثل الأسود تُزال بسهولة، بينما يُصعب تفتيت الألوان الفاتحة كالأصفر والأخضر. ورغم فعاليتها العالية، قد تترك العملية احمرارًا أو تورمًا بسيطًا، لذا يُنصح بالعناية اللاحقة لتفادي الالتهابات أو التصبغات.

طرق أخرى لإزالة الوشم

إلى جانب الليزر، توجد تقنيات أخرى لإزالة الوشم مثل التقشير الكيميائي، حيث تُستخدم أحماض خفيفة لإذابة الطبقة السطحية من الجلد تدريجيًا، وتسحيج الجلد الذي يعتمد على صنفرة المنطقة لإزالة الحبر يدويًا. هناك أيضًا الجراحة التجميلية، حيث تُستأصل المنطقة الموشومة بالكامل ثم تُخاط، وهي فعالة في الوشوم الصغيرة لكنها تترك ندبة دائمة. 

هذه الطرق أقل أمانًا من الليزر وقد تسبب تهيجًا أو ندوبًا واضحة. لذلك، يوصي الأطباء باستخدامها فقط في حالات محدودة عندما لا تكون تقنيات الليزر مناسبة أو فعّالة بشكل كافٍ.

العناية بعد إزالة الوشم

بعد عملية إزالة الوشم، يحتاج الجلد إلى رعاية دقيقة لضمان شفاء سليم ومنع حدوث التهابات. يجب تنظيف المنطقة يوميًا بمطهر لطيف، وتطبيق كريمات مهدئة تساعد على ترميم الأنسجة. كما يُنصح بتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، والامتناع عن السباحة أو وضع مستحضرات تجميلية على المنطقة حتى تمام التعافي. 

في العادة، يستغرق الشفاء الكامل من أسبوعين إلى شهر حسب نوع البشرة وحجم الوشم. الالتزام بتعليمات الطبيب بعد الجلسات أمر أساسي، لأن العناية الجيدة بعد الإزالة تحدد إلى حد كبير نجاح العملية وجمال مظهر الجلد النهائي.

الوشم في ميزان الدين والمجتمع

الحكم الشرعي للوشم في الإسلام

يُعد الوشم من المسائل التي ورد فيها نص صريح في السنة النبوية، إذ قال رسول الله : "لعن الله الواشمة والمستوشمة"، مما يدل على تحريمه لأنه يتضمن تغيير خلق الله عمدًا. يقوم الوشم على غرز الإبرة في الجلد وإدخال الأصباغ فيه، وهذا يعد اعتداءً على الجسد الذي هو أمانة من الله. 

وقد أجمع جمهور العلماء على أن الوشم الدائم محرّم شرعًا، أما الوشم المؤقت مثل الحناء فلا حرج فيه إذا خلا من المحاذير الشرعية كتشبه الرجال بالنساء أو رسم ذوات الأرواح. يهدف هذا الحكم إلى حماية الإنسان من الأذى الجسدي والمعنوي، وصيانة فطرته التي خلقه الله عليها.

التوبة من الوشم وأحكام إزالته

من ابتُلي بالوشم في فترة من حياته ثم تاب، فباب التوبة مفتوح بإذن الله، فالله يغفر الذنوب جميعًا. يُستحب للمسلم إزالة الوشم إن أمكن دون ضرر جسدي، لأن إزالة أثر المعصية جزء من كمال التوبة النصوح. أما إذا كان الإزالة تسبب أذى أو تشوهًا، فيكفي التوبة والاستغفار والعزم على عدم العودة. 

ولا يُشترط إزالة الوشم لصحة الصلاة، لكن يُستحب ذلك لمن استطاع. التوبة من الوشم تشمل الندم على الفعل، وطلب المغفرة، والسعي للإصلاح الذاتي، فهي تعبير عن وعي الإنسان بحرمته لجسده ورغبته في الرجوع إلى فطرته النقية التي خلقه الله عليها.

النظرة الاجتماعية للوشم في العالم العربي

تختلف النظرة إلى الوشم في المجتمعات العربية بين الرفض والقبول. فالكثيرون يرونه فعلاً غريبًا يتنافى مع القيم الدينية والتقاليد المحافظة، بينما تعتبره فئة الشباب وسيلة للتعبير عن الحرية الشخصية والهوية. في بعض البيئات، يُربط الوشم بالتمرد أو الانحراف، في حين يراه آخرون شكلاً من أشكال الفن الحديث. 

ومع انفتاح العالم عبر وسائل التواصل، بدأ الوشم يلقى قبولاً متزايدًا بين فئات محددة من المجتمع، خصوصًا في المدن الكبرى. ومع ذلك، لا يزال الخلاف قائمًا بين من يراه جريمة في حق الجسد ومن يراه حرية فردية يجب احترامها.

البعد النفسي والاجتماعي للوشم

يحمل الوشم أحيانًا دلالات نفسية عميقة، إذ يستخدمه بعض الأفراد كوسيلة للتعبير عن الألم أو لتخليد تجربة معينة. غير أن الدراسات تشير إلى أن بعض من يختارون الوشم يفعلون ذلك بدافع الحاجة إلى التميز أو جذب الانتباه، وربما نتيجة ضغوط نفسية أو اجتماعية. في المقابل، هناك من يتخذونه رمزًا للقوة أو الحرية الشخصية. 

اجتماعيًا، قد يؤدي الوشم إلى وصمة أو تمييز في مجتمعات محافظة، مما ينعكس على فرص العمل والعلاقات الاجتماعية. لذلك، فهم الأبعاد النفسية والاجتماعية للوشم يساعد على التعامل مع الظاهرة بعقلانية، بعيدًا عن التعميم أو الإدانة المطلقة.

الوشم بين الموضة والمخاطر المستقبلية

الوشم كظاهرة عصرية

أصبح الوشم في السنوات الأخيرة ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود الثقافية، حيث انتشر بين المشاهير والمؤثرين كرمز للأناقة والتميز. لم يعد الوشم حكرًا على فئة معينة، بل صار جزءًا من عالم الموضة والتجميل، يُستخدم للتعبير عن الذات أو لتزيين الجسد برسومات رمزية. في بعض العروض الفنية أو الموسيقية، يُعتبر الوشم عنصرًا من هوية الفنان وصورته العامة. 

ورغم هذا الانتشار، يثير الوشم جدلاً واسعًا بين من يراه فنًا شخصيًا ومن يعتبره تشويهًا للجسد. هذا التناقض بين القبول والرفض جعل الوشم أحد أبرز مظاهر الثقافة المعاصرة المرتبطة بالحرية الفردية والتعبير الذاتي.

التأثير الإعلامي وانتشار ثقافة الوشم

تلعب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في نشر ثقافة الوشم، إذ يُروّج له كمظهر من مظاهر الجاذبية والثقة بالنفس. تُشارك الشخصيات العامة صور وشومها عبر المنصات الرقمية، مما يؤثر في المتابعين، خاصة فئة الشباب، الذين يقلدونهم بدافع الإعجاب أو الرغبة في التميز. 

كما أن المسلسلات والأفلام العالمية ساهمت في ربط الوشم بالصورة البطولية أو الرومانسية للشخصيات. غير أن هذا الانتشار السريع أدى إلى إغفال الجوانب الصحية والدينية للوشم، مما يستدعي زيادة الوعي المجتمعي حول مخاطره وأبعاده النفسية والاجتماعية، خاصة لدى المراهقين.

المخاطر المستقبلية للوشم على الصحة

رغم تطور تقنيات الوشم ووسائل التعقيم، إلا أن المخاطر الصحية لا تزال قائمة. فالأحبار المستخدمة تحتوي على مواد كيميائية قد تترسب في الجسم وتؤثر على الكبد والكلى والجهاز اللمفاوي. كما أثبتت دراسات حديثة وجود علاقة محتملة بين الوشم وبعض أنواع السرطان، خصوصًا في حال استخدام أصباغ تحتوي على معادن ثقيلة. 

استخدام أصباغ في الوشم 

ومع تقدم العمر، قد يتغير شكل الجلد، ما يجعل الوشم مشوهًا أو باهت اللون. لذا، من المهم التفكير جيدًا قبل اتخاذ قرار دائم كهذا، والتأكد من نظافة المكان وفحص المواد المستخدمة لتفادي أي مضاعفات مستقبلية.

التوعية والاتجاهات المستقبلية

من المتوقع أن تستمر ظاهرة الوشم في الانتشار عالميًا، لكن بوعي أكبر تجاه المخاطر المرتبطة بها. ستشهد السنوات المقبلة تطورًا في الأحبار الآمنة والوشوم القابلة للإزالة بسهولة، لتلبية رغبة الأفراد في التغيير دون ضرر دائم. كما يُتوقع أن تلعب المؤسسات الصحية والتعليمية دورًا أكبر في التوعية بمخاطر الوشم وبدائله الآمنة مثل الحناء أو الزخارف المؤقتة. 

من ناحية أخرى، سيظل الجانب الديني والأخلاقي مؤثرًا في تشكيل المواقف تجاه هذه الظاهرة. الجمع بين الوعي، الجمال، والمسؤولية هو الطريق الأمثل للتعامل مع الوشم في المستقبل.

ختاما يبقى الوشم ظاهرة معقدة تجمع بين الفن والجمال والجدل. فهو من جهة وسيلة للتعبير عن الذات والانتماء، ومن جهة أخرى يحمل أبعادًا صحية ودينية واجتماعية لا يمكن تجاهلها. لقد تحوّل الوشم من ممارسة بدائية إلى موضة عصرية تجذب الملايين حول العالم، غير أن الوعي بمخاطره لا يزال محدودًا لدى كثيرين. 

إن الجسد أمانة يجب الحفاظ عليها، والتفكير المتأني قبل الإقدام على أي وشم هو دليل نضج ومسؤولية. فكما أن الوشم قد يروي قصة جميلة، قد يكون أيضًا بداية لمعاناة صحية أو ندم دائم. لذلك، فإن المعرفة المسبقة، والاستشارة الطبية، ومراعاة القيم الدينية، تبقى الركائز الأساسية لاتخاذ القرار الصائب. الجمال الحقيقي لا يُنقش على الجلد، بل يسطع من الداخل بثقة، ووعي، ونقاء روح.

تعليقات