معنى النجوى ومكانتها في الإسلام
تعريف النجوى لغويًا وشرعيًا
النجوى في اللغة مأخوذة من "النجاء"، وهو الحديث سرًا بين شخصين أو أكثر بعيدًا عن أسماع الآخرين. أما في الاصطلاح الشرعي، فهي الكلام الخفي الذي يدور بين الناس، وقد يكون في الخير أو الشر بحسب النية والمقصد. الإسلام لا يمنع الحديث السري، لكنه يضع له ضوابط تحفظ مشاعر الآخرين وتمنع سوء الظن والعداوة.
![]() |
| تعريف النجوى |
فالنجوى ليست مجرد همس أو حوار جانبي، بل هي سلوك يعكس نية المتحدثين. إن كانت النية خالصة للخير كالنصح أو الإصلاح، فهي عبادة مأجور صاحبها، وإن كانت للإثم أو الغيبة أو الكيد، فهي معصية تُغضب الله وتؤذي الناس.
النجوى في القرآن الكريم
ورد ذكر النجوى في مواضع عدة من القرآن الكريم، أبرزها في سورة المجادلة وسورة النساء. يقول الله تعالى:
{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ...} [المجادلة: 7]،
لتذكيرنا بأن الله حاضر معنا في كل مكان، يعلم سرنا ونجوانا. كما قال تعالى:
{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].
هذه الآية العظيمة تحدد بوضوح أن النجوى لا تكون خيرًا إلا إذا كانت وسيلة للخير والإصلاح. فهي تربية إلهية توجهنا إلى ضبط كلامنا ونوايانا، وتحذرنا من استخدام السرّ في إيذاء الآخرين أو نشر الفتنة بينهم.
النجوى في السنة النبوية
أكدت السنة النبوية على خطورة النجوى إذا تسببت في الحزن أو الأذى. قال رسول الله ﷺ:
"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه" (رواه البخاري).
هذا الحديث يعلّمنا رقة الإسلام في التعامل مع النفوس، فالإسلام لا ينظر إلى النجوى كمجرد حديث، بل كفعل قد يؤثر في قلب إنسان. النجوى التي تسبب العزلة أو الشك مرفوضة، أما تلك التي تعزز الحب والتعاون فهي محمودة. فكل كلمة في الإسلام تُوزن بميزان الأخلاق، ولا قيمة للحديث إذا كان على حساب مشاعر الآخرين أو احترامهم.
خطورة النجوى المحرمة
النجوى بالإثم والعدوان
النجوى المحرمة هي التي يُقصد بها الإثم أو العدوان أو معصية الرسول ﷺ. وهي نوع من الحديث الخفي الذي يُراد به إيذاء الآخرين أو نشر الفتنة. يقول الله تعالى:
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10].
فالشيطان هو من يوسوس للناس ليتناجوا بالشرّ فيغرس بينهم الشك والحقد. النجوى بالإثم ليست مجرد كلمات، بل سلوك يزرع الانقسام بين القلوب. المسلم الحقيقي يبتعد عن كل حديث لا يرضي الله، ويحرص على أن تكون نجواه خالية من الغيبة والبهتان، لأن النجوى الشريرة تمحو البركة من العلاقات وتنشر البغضاء في المجتمع.
النجوى ومعصية الرسول ﷺ
من صور النجوى المحرمة أن يتناجى بعض الناس في أمور تخالف توجيهات النبي ﷺ، أو يتحدثوا سرًا بنية الإضرار بالمؤمنين. وقد حذر القرآن من ذلك بقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} [المجادلة: 9].
هذه الآية توضح أن التناجي المخالف لهدي الرسول نوع من التمرد على القيم الإسلامية. فكل حديث سري يهدف إلى مخالفة الحق أو استغلال الدين لتحقيق مصلحة شخصية هو إثم كبير. الواجب على المؤمن أن يجعل نجواه وسيلة لطاعة الله، لا طريقًا للوقيعة بين الناس أو التلاعب بمشاعرهم.
أثر النجوى على العلاقات الاجتماعية
النجوى المحرمة تفسد القلوب قبل أن تفسد العلاقات، إذ تُزرع بها بذور الشك وسوء الظن. عندما يرى شخصان يتناجيان دون الآخرين، قد يشعر الثالث بأنه مستثنى أو يُتحدث عنه بسوء، فينشأ الحزن والانقسام. وهكذا تتحول المجالس الهادئة إلى ساحات توتر.
لهذا نهى الإسلام عن النجوى التي تُضعف الثقة وتفكك روابط المحبة. فالمجتمعات القوية تُبنى على الصراحة والاحترام، لا على الأسرار المؤذية. النجوى المريبة دليل على ضعف الإيمان وقلة المروءة، بينما تجنبها خلق نبيل يدل على صفاء النفس وحسن النية.
النجوى في سورة المجادلة
بيان علم الله المحيط بالنجوى
تُظهر سورة المجادلة أن الله تعالى مطّلع على كل ما يُقال في السر والعلن، فقال سبحانه:
{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7].
هذه الآية تزرع في القلب رقابة الله، وتذكر الإنسان بأنه ليس خفيًا على الله شيء. من يستشعر قرب الله منه لا يمكن أن يستخدم كلامه فيما يغضبه، بل يجعل كل نجوى وسيلة لذكر الله والإصلاح بين الناس. إنها تربية إيمانية تبني الضمير الحي وتُهذب اللسان.
النهي الإلهي عن النجوى بالإثم
حذر الله المؤمنين من النجوى التي يكون فيها إثم أو عدوان، فقال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المجادلة: 9].
في هذه الآية منهج تربوي واضح، يدعو المسلم إلى استخدام كلامه في الخير فقط. فالنجوى التي تُبنى على البغضاء والفتنة لا تجلب إلا الندم، أما التي تُبنى على البر والتقوى فهي عبادة. وهنا نرى كيف يوجّه القرآن النفوس إلى ضبط الحديث، ويُعلّمها أن الكلام ليس مجرد ألفاظ، بل مسؤولية تُحاسب عليها يوم القيامة.
التوجيه إلى النجوى بالبر والتقوى
جاءت الآية السابقة بأمرٍ إلهي واضح يدعو إلى جعل النجوى وسيلة للخير والإصلاح، فقال تعالى: "وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى".
فالنجوى يمكن أن تكون طاعة عظيمة إذا كانت هدفها نشر المعروف أو النصح أو إعانة المحتاجين. البرّ يشمل كل خير، والتقوى تضبط النية وتجعل الكلام خالصًا لله.
![]() |
| جعل النجوى وسيلة الخير |
من يتناجى في أمرٍ صالح يشارك في بناء المجتمع لا هدمه. وهكذا يحول الإسلام حتى الحديث السري إلى عبادة إذا كان نافعًا، لأن نية المسلم هي التي ترفع عمله أو تُبطله، والكلمة الطيبة صدقة تكتب في ميزان الحسنات.
النجوى من وساوس الشيطان
يبين الله تعالى أن النجوى السيئة من تزيين الشيطان، إذ قال سبحانه:
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10].
الشيطان يستغل ضعف الإنسان ليوقع بينه وبين إخوانه بالظنون والهمس والريبة. هدفه إدخال الحزن إلى قلوب المؤمنين وبثّ الفتنة بينهم.
ولكن المؤمن الواعي يدرك أن الله وحده القادر على نفعه أو ضره، فيستعيذ بالله من الشيطان ويختار الصمت على القول المؤذي. النجوى الطيبة سلاح ضد وساوس الشيطان، لأنها تقطع طريق الشر وتبني الثقة والمحبة بين القلوب.
أنواع النجوى وأحكامها
النجوى المباحة والمحرمة
النجوى في الإسلام ليست كلها ممنوعة، فهناك نجوى مباحة وأخرى محرمة. المباحة هي التي لا تشتمل على إثم أو ظلم أو غيبة، بل تدور حول أمور مباحة أو شخصية. أما النجوى المحرمة فهي التي يُقصد بها إيذاء الآخرين أو نشر الفتنة أو التآمر على أحد. ميزان التفرقة بين النوعين هو النية والمضمون.
فالمؤمن يحرص على أن يكون حديثه خالصًا لله نافعًا للناس. والنجوى التي تُرضي الله هي التي تبني الثقة وتغرس المودة، بينما النجوى التي يغيب عنها الخير تزرع الشك وتُفكك العلاقات.
النجوى بالخير والإصلاح
من أسمى أنواع النجوى تلك التي تُستخدم في الإصلاح بين الناس أو في نصح أحدهم سرًا دون فضيحة. يقول الله تعالى:
{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].
فهذه النجوى المباركة هدفها نشر الخير، وهي عبادة عظيمة تؤجر عليها القلوب المخلصة. المسلم الذكي يجعل نجواه وسيلةً للتقريب بين المتخاصمين أو للتخفيف عن المظلوم. النجوى الصالحة صوت الإيمان في زمن كثرت فيه الفتن، وهي طريق لانتشار الرحمة والوئام داخل المجتمع.
النجوى في الصدقة والمعروف
النجوى في بعض الحالات تكون مستحبة، كمن يُخفي صدقته أو يتحدث سرًا مع المحتاج ليحفظ كرامته. قال تعالى:
{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 271].
فالحديث الخفي هنا عبادة لأنه يهدف إلى ستر الفقير وعدم إحراجه. النجوى الصالحة هي التي تحفظ مشاعر الناس وتُبعد الرياء عن القلوب.
![]() |
في الإسلام لا تُقاس الأعمال بمظاهرها، بل بنواياها. وكل نجوى فيها صدق ومحبة تُكتب في صحيفة العمل الصالح وتقرّب العبد من الله تعالى.
النجوى التي تسبب الحزن
هناك نوع من النجوى يوقع الحزن في القلوب ويثير الظنون، كأن يتحدث اثنان أمام ثالث فيسرّان الحديث ويُشعرانه أنه غير مرغوب فيه. نهى النبي ﷺ عن ذلك فقال:
«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس» (رواه البخاري).
فالمسلم يراعي مشاعر غيره حتى في أبسط المواقف. النجوى التي تحزن الآخرين تُفسد الود وتفتح باب الشيطان. لذا كان من آداب المجالس أن يُشعر كل حاضر بالأهمية والمشاركة. الكلمة الطيبة باب للقلوب، أما الهمس الجارح فهو بداية القطيعة وسوء الظن.
الآداب الإسلامية في النجوى
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث
من أدب الإسلام الرفيع أن لا يتحدث اثنان سرًا دون الثالث، لأن ذلك يثير الحزن في نفسه. قال ﷺ:
«إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس» (رواه مسلم).
هذا التوجيه النبوي يعكس رقي الأخلاق الإسلامية، حيث تُراعى مشاعر كل فرد مهما كان بسيطًا. فالدين لم يأتِ فقط ليضبط العبادات، بل أيضًا لتهذيب التعاملات. والنجوى هنا تتحول من همس عابر إلى اختبار حقيقي للأخلاق والإنسانية.
احترام مشاعر الجالسين
الإسلام دين يُعنى بالتفاصيل التي تُبقي القلوب متآلفة. احترام مشاعر الجالسين يعني ألا تتحدث أمامهم بما يثير حزنهم أو استبعادهم. فالمؤمن يُدخل السرور على الآخرين لا القلق. النجوى التي تُشعر شخصًا بالعزلة مرفوضة لأنها تهدم الروابط وتُضعف الثقة.
النبي ﷺ كان إذا جلس بين أصحابه شملهم بابتسامته وحديثه فلا يشعر أحدهم بالنقص. فالمجالس في الإسلام يجب أن تكون مصدر راحة وسلام نفسي للجميع.
استئذان الحاضرين قبل التناجي
من الذوق الإسلامي الرفيع أن يستأذن المرء قبل أن يتحدث سرًا في وجود الآخرين، خاصة في المجالس العامة. فذلك يُظهر الاحترام ويمنع سوء الظن. فإن كان الموضوع ضروريًا، فليكن مختصرًا وبأسلوب مهذب.
الاستئذان في الكلام صورة من صور الأمانة والشفافية التي تُعزز الثقة. هكذا يصنع الإسلام مجتمعًا متحابًا يراعي فيه أفراده مشاعر بعضهم، فلا مكان فيه للهمس الجارح أو التلميحات التي تجرح الكرامة.
النجوى والإصلاح بين الناس
فضل الإصلاح في الإسلام
الإصلاح بين الناس من أعظم القربات، حتى إن الله تعالى جعله أفضل من كثير من العبادات. قال تعالى:
{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.
النجوى التي تُستخدم للإصلاح تُرضي الله وتُعيد للمجتمع توازنه.
![]() |
| نوع من النجوى |
فكم من خلاف انتهى بكلمة طيبة أو سرّ نية صالحة بين طرفين متخاصمين. والإصلاح الحقيقي يبدأ بالنية الخالصة والرغبة في الخير، لا بالشهرة أو المصلحة.
النجوى وسيلة للإصلاح
قد تكون النجوى في بعض المواقف ضرورة لتحقيق الصلح، كأن يتحدث شخص مع أحد المتخاصمين بعيدًا عن الآخرين ليقنعه بالعفو أو التسامح. هنا يكون الحديث السري وسيلة للبناء لا للهدم. فليس كل سرّ مذمومًا، بل يُمدح إذا كان هدفه مرضاة الله.
المسلم العاقل يستخدم كلامه بحكمة، فيضعه في موضعه المناسب. فكما أن الكلمة قد تهدم، يمكنها أيضًا أن تصلح وتجمع القلوب المتباعدة.
التسامح والعفو طريق الإصلاح
النجوى الصالحة لا تثمر إلا حين تترافق مع قلب متسامح. الإصلاح بين الناس يحتاج إلى من يزرع فيهم روح العفو لا الانتقام. قال ﷺ:
«وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا».
فالمتناجي بالخير يسعى لنشر المحبة، لا لفضح العيوب أو كشف الأخطاء. التسامح هو المفتاح الذي يغلق أبواب العداوة، والنجوى الصالحة هي التي تُعيد الود بين الناس بعد الخصام. العفو لا يُضعف صاحبَه بل يرفعه ويزيده احترامًا بين الناس.
تطبيقات الصحابة في الإصلاح
كان الصحابة رضي الله عنهم قدوة في استخدام النجوى للخير. كانوا يتناجون للإصلاح والنصح لا للإفساد. فإذا علم أحدهم بخلاف بين إخوانه، سعى سرًا لجمعهم بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
ولم تكن مجالسهم مكانًا للغيبة أو الهمز، بل ساحات للتقوى والتناصح. هذه الروح الإيمانية هي التي جعلت مجتمعهم قويًا ومترابطًا. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى إحياء هذا الخلق النبيل، فالإصلاح هو أساس استقرار المجتمعات.
ثمرات النجوى الصالحة وتقوى الله فيها
أثر النجوى الصالحة في المجتمع
النجوى الصالحة تزرع الثقة والتفاهم، وتُعيد للمجتمع دفء العلاقات الإنسانية. فهي تُقوّي الروابط الاجتماعية وتُشيع روح التعاون. عندما يتحدث الناس بالخير سرًا، تتبدد الشكوك ويحلّ الوئام. المجتمعات التي تلتزم بآداب النجوى تعيش في استقرار نفسي واجتماعي. النجوى الصادقة طريق إلى السلام الداخلي، لأنها تُعبّر عن نية خالصة ومقصد نبيل.
أهمية الإخلاص في النجوى
الإخلاص هو القلب النابض للنجوى الصالحة، فمن تكلم بالخير رياءً لم يُؤجر، ومن قال كلمة لله ابتغاء وجهه نال رضاه. النية في الإسلام أساس كل عمل، والنجوى لا تخرج عن هذا الأصل.
لذلك، من أراد أن يهمس بالخير، فليكن هدفه الإصلاح لا المباهاة أو السيطرة. الكلمة إذا خرجت من قلب صادق دخلت قلب المستمع، أما إن كانت مشوبة بالرياء فلن تُثمر خيرًا.
تقوى الله وضبط اللسان
النجوى الصالحة ثمرة لتقوى الله، لأن من يراقب ربه في السر لا يمكن أن يتحدث بما يغضبه. ضبط اللسان من أعظم علامات التقوى. قال ﷺ:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
فالصمت عن الشر نجوى مع النفس فيها رضا الله. تقوى الله تجعل الإنسان يزن كلماته قبل أن ينطق بها، فينشر الخير ويبتعد عن كل ما يجرح أو يسيء للآخرين.
بناء الثقة والتآلف بين الناس
النجوى الصالحة تبني جسور الثقة بين الأفراد، لأنها قائمة على النية الطيبة والصدق في القول. عندما يرى الناس أن الحديث السري بينهم لا يُستخدم للإيذاء، بل للإصلاح والدعم، تسود بينهم المحبة.
الثقة هي أساس كل علاقة ناجحة، والنجوى الصادقة تحافظ عليها وتقويها. وهكذا تتحول الكلمة الهادئة إلى وسيلة لبناء مجتمع متآلف تسوده المودة والرحمة.
ختاما النجوى سلوك إنساني جميل إذا كان في الخير، وخطر عظيم إذا استُخدمت في الشر. الإسلام لم يمنع التناجي، لكنه وجهه ليكون وسيلة للتقوى والإصلاح لا للإفساد والعدوان. فالحديث الخفي امتحان للنية، يميز الصادق من المنافق.
من جعل كلامه لله نال الأجر، ومن استخدمه للفتنة نال الوزر. فلنحرص أن تكون نجوانا بالبر والمعروف، ناصحين بالخير، مصلحين بين الناس، مستشعرين رقابة الله في السر والعلن، حتى نكون من الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.



