مثلث برمودا: لغز البحر وأسطورة لم تحل
لغز عابر للأزمان
يظل مثلث برمودا
واحدًا من أكبر الألغاز الطبيعية في العالم، منطقة من المحيط الأطلسي اشتهرت
بتأثيرها الغامض واختفاءاتها التي ظلت تشكل لغزًا محيرًا لسنوات. أثار هذا المكان
اهتمام الباحثين والمؤرخين والمغامرين على حد سواء، مما أدى إلى تناقل العديد من
الروايات والأساطير. يدور النقاش حول هذه المنطقة بين الحقيقة والخيال، مما يجعلها
واحدة من أكثر الظواهر المثيرة للجدل في تاريخ البشرية.
موقع مثلث برمودا ومميزاته الجغرافية
يقع مثلث برمودا
في شمال المحيط الأطلسي، مشكلاً حدودًا افتراضية بين جنوب شرق فلوريدا، وجزيرة
برمودا البريطانية، وبورتوريكو في الكاريبي. تبلغ مساحته حوالي 500 ألف كيلومتر
مربع، وهو موقع استراتيجي تعبره آلاف الطائرات والسفن يوميًا نظرًا لأهميته كممر
ملاحي يربط بين القارات.
تتميز المنطقة
بتنوعها الطبيعي الكبير، فهي تحتوي على أعماق بحرية شديدة الانحدار، مثل خندق
بورتوريكو الذي يعد أحد أعمق النقاط في المحيط الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، تعصف
بها التيارات المائية القوية والعواصف المفاجئة، مما يجعلها بيئة بحرية شديدة التقلب.
حوادث الاختفاء: تاريخ مملوء بالغموض
شهدت مثلث
برمودا عددًا كبيرًا من الحوادث الغامضة على مر التاريخ. أبرز هذه الحوادث:
سرب الطائرات 19 (1945)
تعد حادثة
اختفاء سرب الطائرات 19 عام 1945 واحدة من أكثر الحوادث شهرة في تاريخ مثلث
برمودا. وقع الحادث أثناء رحلة تدريبية لخمسة طائرات تدريب تابعة للبحرية
الأميركية. انطلقت الطائرات من قاعدة فلوريدا الجوية في مهمة تدريبية عادية، ولكن
الأمور سرعان ما أخذت منحىً غامضًا.
وفقًا للإشارات
اللاسلكية التي تم التقاطها في اللحظات الأخيرة قبل اختفائها، أبلغ الطيارون عن
تعرضهم لخلل في أنظمة البوصلة، ما أدى إلى فقدانهم القدرة على تحديد اتجاهاتهم.
بدا أن الطاقم وقع في حالة من الارتباك، إذ أشاروا إلى أنهم لم يعودوا قادرين على
تحديد موقعهم أو الاتجاه الصحيح للعودة.
استمر فقدان
الاتصال بالطائرات، ورغم الجهود المبذولة لتحديد موقعها، لم تُعثر على أي أثر
للحطام أو للطاقم. وما زاد الحادثة غموضًا أن طائرة إنقاذ أُرسلت إلى الموقع الذي
يُعتقد أن الطائرات قد اختفت فيه، لكنها بدورها تعرضت للاختفاء في ظروف مشابهة،
دون أن تترك أي أثر يُذكر.
هذا الحدث أثار
العديد من التساؤلات والنظريات حول الأسباب المحتملة لهذا الاختفاء الجماعي. فبعض
التفسيرات أشارت إلى تأثيرات بيئية غامضة مثل العواصف المغناطيسية، بينما ربط
آخرون الحادث بعوامل ميكانيكية أو أخطاء بشرية. في المقابل، هناك من يربط الحادثة
بالفرضيات الخارقة للطبيعة التي تحيط بمثلث برمودا.
على الرغم من مرور عقود على الحادثة، إلا أن لغز سرب الطائرات 19 لا يزال أحد أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ الطيران. إذ لم يُكشف حتى اليوم عن أي أدلة نهائية توضح ما حدث فعلاً للطائرات وطاقمها، مما يعزز الغموض الذي يحيط بهذه المنطقة الغريبة.
السفينة يو إس إس سيكلوبس (1918)
في واحدة من
أشهر الحوادث، اختفت خمس طائرات تدريب تابعة للبحرية الأميركية أثناء رحلة تدريبية
فوق المثلث. أفادت الإشارات اللاسلكية الأخيرة بأن الطيارين يعانون من خلل في
البوصلة وعدم قدرتهم على تحديد اتجاهاتهم. لم تُعثر على أي حطام للطائرات أو
الطاقم، كما أن طائرة الإنقاذ التي أُرسلت لاختبار الموقع اختفت بدورها.
في عام 1918،
اختفت السفينة الأميركية الضخمة "يو إس إس سيكلوبس" في واحدة من أكثر
الحوادث غموضًا في تاريخ الملاحة البحرية. كانت السفينة تُقل على متنها 309 أفراد
من طاقم وركاب، إلى جانب شحنة ضخمة من خام المنغنيز، أثناء قيامها برحلة اعتيادية
بين جزر الكاريبي والساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ما يميز هذه
الحادثة هو غياب أي إشارات استغاثة أو دلائل تشير إلى وقوع كارثة محددة. لم يُعثر
على أي حطام للسفينة، ولا حتى أدنى أثر للشحنة أو الطاقم، رغم الجهود المكثفة التي
بُذلت للبحث عنها آنذاك. هذا الاختفاء الغامض جعل من "يو إس إس سيكلوبس"
رمزًا للألغاز المرتبطة بمثلث برمودا، وواحدة من أبرز القصص التي غذّت أسطورة هذه
المنطقة المحيطة بالغموض والخوف.
أثارت الحادثة
حيرة الخبراء والمحللين لعقود، ودُرست العديد من الفرضيات لتفسير الاختفاء. بعضها
أشار إلى احتمال حدوث عاصفة بحرية مفاجئة أو انقلاب السفينة بسبب الحمولة الزائدة،
فيما ذهب آخرون إلى فرضيات أكثر إثارة للخيال، مثل الشذوذ المغناطيسي أو التفاعل
مع قوى خارقة للطبيعة. ومع ذلك، بقي لغز "سيكلوبس" دون حل، واستمر في
تحفيز النقاشات حول الظواهر المريبة التي تتخذ من مثلث برمودا مسرحًا لها.
تعكس هذه القصة التحديات التي تواجه السفن في أعماق المحيط، وهي أيضًا تذكير دائم بقوة الطبيعة وغموضها، وقدرتها على إخفاء الحقائق مهما تقدمت التقنيات البشرية في محاولات فك شفرتها.
طائرة DC-3 (1948)
في عام 1948،
وقعت واحدة من أكثر الحوادث غموضًا في تاريخ الطيران، عندما اختفت طائرة ركاب من
طراز DC-3 خلال رحلتها من بورتوريكو إلى ميامي.
كانت الطائرة تُقل على متنها 32 شخصًا، بينهم الطاقم والركاب، وكان من المتوقع أن
تصل إلى وجهتها دون مشاكل نظرًا لاستقرار الأحوال الجوية في ذلك اليوم.
بدأت الرحلة
بشكل طبيعي دون أي مؤشرات تدعو للقلق، إلا أن الطائرة اختفت فجأة دون أن تبعث أي
إشارات استغاثة أو توضح وجود أعطال. ورغم عمليات البحث المكثفة التي أجرتها فرق
الإنقاذ في المنطقة المحيطة بمسار الرحلة، لم يُعثر على أي أثر للطائرة أو حطامها،
ما أضاف لغزًا جديدًا إلى قائمة الحوادث غير المبررة.
أثارت حادثة DC-3 تساؤلات واسعة حول الأسباب المحتملة لهذا الاختفاء. ورغم استقرار
الطقس، تكهّن البعض بحدوث أعطال فنية مفاجئة أو نفاد الوقود. كما اقترحت نظريات
أخرى أن الحادث ربما كان مرتبطًا بالظروف الغامضة المحيطة بمثلث برمودا، وهو
المنطقة الشهيرة التي شهدت عدة حوادث مماثلة.
لم تقدم
التحقيقات الرسمية أي تفسير نهائي لهذه الحادثة، وبقيت التساؤلات مفتوحة، مما زاد
من شهرة الحادثة باعتبارها واحدة من الألغاز التي لم تجد إجابة حتى اليوم. هذه
القصة ليست مجرد تذكير بقوة الطبيعة وعدم قابلية بعض الحوادث للتفسير، بل هي أيضًا
شهادة على حدود معرفتنا، حتى مع التقدم التكنولوجي المستمر.
يبقى اختفاء
طائرة DC-3
رمزًا للحوادث الغامضة التي تضيف هالة من الغموض إلى عالم الطيران، وتثير فضول
الخبراء والمهتمين بالبحث عن إجابات تتجاوز الحدود المعلومة.
سفينة كوتوباكسي (1925)
في عام 1925،
شهد العالم واحدة من الحوادث البحرية التي ظلت لغزًا لأكثر من تسعين عامًا، عندما
اختفت سفينة الشحن كوتوباكسي أثناء رحلتها من كارولينا الجنوبية إلى هافانا، عاصمة
كوبا. كانت السفينة تُبحر في ظروف غير استثنائية، محملةً بشحنة ثقيلة ومتجهة
لإتمام رحلتها المعتادة، إلا أنها اختفت فجأة دون أن تترك أي أثر.
رغم الجهود
المبذولة لتحديد مصير السفينة وطاقمها، لم يتم العثور على أي حطام أو دليل يفسر ما
حدث، ما جعلها واحدة من أكثر الحوادث غموضًا في تلك الفترة. ارتبط اختفاؤها
بنظريات مختلفة، بعضها ألقى باللوم على أعطال ميكانيكية أو العواصف البحرية، بينما
ربط البعض الآخر الحادث بالغموض المحيط بمنطقة مثلث برمودا، المشهورة بحوادث
الاختفاء غير المبررة.
ظل مصير
كوتوباكسي مجهولاً لعقود طويلة، حتى جاء عام 2020 ليعيد إحياء القصة. في ذلك
العام، تم اكتشاف حطام سفينة قُبالة السواحل، يُعتقد أنه يعود إلى كوتوباكسي. هذا
الاكتشاف أثار اهتمام الباحثين والمؤرخين، حيث أضاف تفاصيل جديدة قد تسهم في فهم
ما حدث. ورغم ذلك، لم تُحسم جميع الأسئلة المتعلقة بالحادث، وبقيت بعض الجوانب
غامضة.
اكتشاف الحطام لم يُنهِ الجدل حول حادثة الاختفاء، لكنه فتح الباب أمام تحقيقات جديدة قد تسلط الضوء على الظروف التي أحاطت بالسفينة وأسباب غرقها. يبقى حادث كوتوباكسي مثالًا بارزًا على قوة الطبيعة وغموضها، ويذكّرنا بمدى قلة معرفتنا بأعماق المحيطات وأسرارها. كما يبرز أهمية السعي المستمر لفهم الماضي وحل ألغاز الحوادث التي تركت أثرًا عميقًا في تاريخ الملاحة البحرية.
التفسيرات العلمية للظاهرة
تسعى التفسيرات العلمية إلى فك الغموض المحيط بمثلث برمودا من خلال ربط الحوادث التي وقعت فيه بعوامل طبيعية وجغرافية. تشير هذه التفسيرات إلى أن الموقع الفريد للمثلث يلعب دورًا كبيرًا في الظواهر الغامضة التي يشهدها.
العواصف والأعاصير
تُعرف منطقة
مثلث برمودا بظروفها الجوية القاسية، حيث تشهد عواصف استوائية مفاجئة تُعد من أبرز
العوامل التي تسهم في الحوادث الغامضة التي تحدث في هذه المنطقة. تنتج هذه العواصف
عن تقلبات حادة في الضغط الجوي، مما يؤدي إلى تغيرات جوية مفاجئة وغير متوقعة.
تتميز هذه العواصف بشدة قوتها وسرعتها، إذ يمكن أن تتشكل خلال دقائق معدودة دون سابق إنذار. هذه الظاهرة تجعل من الصعب على الطائرات والسفن المتواجدة في المنطقة التكيف أو الهروب منها، خاصةً في ظل اضطراب الرؤية والرياح العاتية التي تصاحبها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمطار الغزيرة والأمواج العالية تزيد من خطورة هذه العواصف، ما يجعلها قادرة على إلحاق دمار هائل بالطائرات والسفن، متسببة في فقدان السيطرة عليها وإغراقها أو إسقاطها.
تلعب هذه
التقلبات الجوية دورًا رئيسيًا في تفسير العديد من حوادث الاختفاء التي ارتبطت
بمثلث برمودا. فرغم التقدم التكنولوجي في مجال الملاحة والاتصالات، تبقى قوة
الطبيعة وتغيراتها المفاجئة تحديًا يصعب مواجهته. كما أن الطابع غير المتوقع لهذه
العواصف يعزز الغموض المحيط بالمنطقة، حيث غالبًا ما تُفاجأ الطواقم بهذه الظواهر
الجوية قبل أن تتمكن من اتخاذ التدابير اللازمة للنجاة.
ورغم الجهود المستمرة لدراسة هذه الظواهر الجوية وتحليلها، لا تزال العواصف الاستوائية في مثلث برمودا تمثل لغزًا كبيرًا. فهي تُظهر مدى تعقيد الظواهر الطبيعية وصعوبة التنبؤ بها، مما يبرز أهمية الحذر عند الملاحة في المناطق التي تشهد هذه التقلبات المناخية الحادة.
الأمواج المارقة
الأمواج المارقة
هي ظاهرة بحرية نادرة وخطيرة، تتمثل في أمواج عملاقة تظهر بشكل مفاجئ وغير متوقع،
ويُعتقد أن ارتفاعها قد يصل إلى 30 مترًا أو أكثر. تتميز هذه الأمواج بقوتها
الهائلة، التي تفوق قوة الأمواج المعتادة، مما يجعلها تشكل خطرًا كبيرًا على السفن
والطائرات التي تمر فوق المياه.
وفقًا لنظريات
علمية، يمكن لهذه الأمواج أن تتشكل نتيجة تداخل عدة عوامل طبيعية، مثل التقاء
تيارات المحيط القوية، أو العواصف البحرية المفاجئة. عندما تتزامن هذه الظروف،
تتولد موجة واحدة ضخمة ذات طاقة هائلة قادرة على تحطيم السفن أو قلبها في ثوانٍ.
السفن المحملة
بشحنات ثقيلة تكون أكثر عرضة لهذا الخطر، حيث قد تواجه صعوبة في الحفاظ على
توازنها عند اصطدامها بهذه الأمواج. كما يُحتمل أن تؤدي الأمواج المارقة إلى تحطيم
الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض فوق سطح الماء بسبب تأثير الرياح العنيفة
والرذاذ المائي.
ظاهرة غاز الميثان
ظاهرة غاز
الميثان تعد من التفسيرات العلمية المثيرة للاهتمام المتعلقة بحوادث اختفاء السفن
في المحيطات، خاصة في مناطق مثل مثلث برمودا. يتواجد غاز الميثان بشكل طبيعي في
خزانات ضخمة تحت قاع المحيط، حيث يكون مضغوطًا في صورة هيدرات الميثان، وهي مادة
صلبة تتكون نتيجة الضغط العالي ودرجات الحرارة المنخفضة.
عندما تحدث
تغيرات جيولوجية مثل الزلازل البحرية أو الانهيارات الأرضية تحت الماء، قد يتم
تحرير هذا الغاز بشكل مفاجئ من القاع. يؤدي هذا التسرب إلى ظهور فقاعات كبيرة من
الغاز على سطح الماء. بمرور الوقت، يتسبب غاز الميثان المتحرر في تقليل كثافة
الماء بشكل كبير في المنطقة المحيطة، مما يفقد السفن قدرتها على الطفو، فتغرق
بسرعة ودون أي تحذير.
هذا التفسير
العلمي يعتمد على مبدأ فيزيائي بسيط يتعلق بكثافة السوائل والمواد. فعندما تقل
كثافة الماء بشكل كبير، تصبح السفينة أو أي جسم عائم غير قادر على البقاء فوق
السطح، حتى وإن كان مصممًا لتحمل الأمواج العادية.
بالإضافة إلى تأثيره على السفن، يمكن أن يتسبب غاز الميثان المتصاعد في اضطراب الغلاف الجوي فوق سطح البحر، مما قد يؤدي إلى مشاكل في الطائرات التي تحلق في تلك المنطقة. ورغم أن ظاهرة غاز الميثان قد لا تكون مسؤولة عن كل الحوادث الغامضة، إلا أنها تقدم تفسيرًا منطقيًا لبعض الحالات التي اختفت فيها السفن والطائرات دون أثر.
الشذوذ المغناطيسي
الشذوذ
المغناطيسي في منطقة مثلث برمودا يُعد من التفسيرات العلمية التي تسعى لفهم
الحوادث الغامضة التي وقعت في هذه المنطقة. يعتقد العلماء أن الاضطرابات
المغناطيسية قد تكون سببًا في تعطل عمل البوصلات وأجهزة الملاحة التي تعتمد عليها
السفن والطائرات، مما يؤدي إلى فقدانها الاتجاهات الصحيحة.
تشير الأبحاث
إلى أن قاع المحيط في منطقة المثلث غني بالمعادن الطبيعية التي يمكن أن تؤثر على
الحقول المغناطيسية المحلية. هذه المعادن، عند تراكمها بكميات كبيرة أو في تكوينات
معينة، قد تسبب انحرافات مغناطيسية. هذه الانحرافات قد تؤدي إلى تداخل مع الأجهزة
الملاحية، مما يجعل قراءة البوصلة غير دقيقة أو مضللة.
تاريخيًا، أبلغ
العديد من الطيارين وقادة السفن عن تصرفات غير طبيعية في معدات الملاحة أثناء
مرورهم بالمثلث. بعضهم أشار إلى دوران البوصلة بشكل غير متوقع أو فشلها في الإشارة
إلى الشمال الصحيح، مما تسبب في ارتباك وفقدان المسار. هذه الظروف قد تكون قاتلة
في منطقة معروفة بتغيرات الطقس المفاجئة والتيارات البحرية القوية.
على الرغم من أن هذه الظاهرة ليست مؤكدة تمامًا كسبب رئيسي للحوادث، إلا أنها تقدم تفسيرًا علميًا محتملاً للغموض الذي يحيط بمثلث برمودا. إذا كانت هذه الاضطرابات المغناطيسية حقيقية، فقد تكون أحد العوامل التي تساهم في اختفاء السفن والطائرات في ظروف غامضة داخل المنطقة.
رغم وجود العديد
من التفسيرات العلمية التي تسعى لفهم الظواهر الغريبة في مثلث برمودا، إلا أن هناك
مجموعة من النظريات الخيالية التي تضفي طابعًا أسطوريًا على هذه المنطقة، وتثير
فضول العديد من الناس حول العالم. إحدى هذه النظريات تتعلق بالبوابات الزمنية، حيث
يعتقد البعض أن مثلث برمودا يحتوي على شذوذات غريبة في الزمان والمكان، مما يؤدي
إلى حدوث انتقالات غير طبيعية للسفن والطائرات إلى أبعاد زمنية موازية. بحسب هذه
النظرية، قد تكون هذه الظواهر ناتجة عن خلل في بنية الزمان والمكان داخل المنطقة.
نظرية أخرى تشير
إلى أن مثلث برمودا هو موطن لقاعدة سرية للكائنات الفضائية. يعتقد بعض الناس أن
هذه الكائنات تستخدم المثلث لاختطاف السفن والطائرات التي تعبر المنطقة، ربما بهدف
إجراء تجارب أو دراسة البشر. يُقال إن هذه الكائنات تتسلل إلى المثلث من أماكن غير
مرئية لنا في الفضاء، مما يفسر اختفاء الطائرات والسفن من دون أي أثر.
ثمة أيضًا
ارتباط بين مثلث برمودا وجزيرة أطلانتس المفقودة، حيث تروج بعض الأساطير لفكرة أن
المنطقة كانت جزءًا من هذه الحضارة القديمة والغارقة. ووفقًا لهذه النظرية، فإن
التكنولوجيا المتقدمة التي كانت تستخدمها أطلانتس يمكن أن تكون سببًا في حدوث
اضطرابات في أجهزة الملاحة الخاصة بالطائرات والسفن، مما يؤدي إلى اختفائها في المنطقة.
إلى جانب هذه
الأفكار، هناك أيضًا من يعتقد أن مثلث برمودا هو مكان تسكنه أرواح معذبة تعود إلى
حقبة تجارة العبيد. وفقًا لهذه النظرية، فإن أرواح الأفارقة الذين تم إلقاؤهم في
المحيط أثناء تجارة العبيد قد استقرت في المنطقة، وأصبح لها تأثير على الأحداث الغريبة
التي تحدث هناك. ويعتقد البعض أن هذه الأرواح تسبب اضطرابات في الطائرات والسفن
العابرة للمنطقة، مما يؤدي إلى اختفائها.
تظل هذه النظريات مثيرة للجدل، وبينما تتعدد التفسيرات العلمية والخيالية، يظل مثلث برمودا واحدًا من أكثر الأماكن الغامضة التي تجذب الأنظار وتثير الفضول.
الإرث الثقافي والإعلامي
لعب الإعلام
دورًا مهمًا في تعزيز الغموض المحيط بمثلث برمودا، حيث ألهمت الظاهرة العديد من
الكتب والأفلام والبرامج الوثائقية. كان من أبرز الأعمال في هذا السياق كتاب
"مثلث برمودا" لتشارلز بيرليتز، الذي جمع بين الحوادث الغامضة
والتفسيرات الخارقة للعادة. كما استخدم الإعلام المثلث في الأفلام كإطار درامي
لاستكشاف عوالم موازية وكائنات فضائية. في الأدب الشعبي، أصبح مثلث برمودا مصدر
إلهام لكتابة روايات مثيرة، مما جعله رمزًا ثقافيًا خالداً في الوعي الجماعي.
أما بالنسبة
للتغيرات المناخية، تشير الدراسات الحديثة إلى أن هذه التغيرات قد تساهم في تفسير
بعض الحوادث الغامضة في المنطقة. من بين هذه التغيرات ارتفاع درجات حرارة المياه،
وزيادة شدة العواصف، وتغيير التيارات البحرية، مما يجعل التنقل عبر مثلث برمودا
أكثر خطورة.
بالنسبة
لإحصائيات الحوادث، توضح الدراسات أن نسبة الحوادث في مثلث برمودا لا تتفوق بشكل
كبير على مناطق أخرى في المحيطات. تشير الإحصائيات إلى أن كثافة الرحلات اليومية
التي تعبر المنطقة تزيد من احتمالية وقوع الحوادث مقارنة بالمناطق الأقل ازدحامًا.
يبقى مثلث
برمودا رمزًا للغموض والتناقض بين العلم والخيال. ورغم التفسيرات العلمية التي
يقدمها الخبراء، يبقى جزء كبير من سحره قائمًا على الأساطير الشعبية والروايات
التي أُحيكت حوله. في النهاية، يشكل مثلث برمودا تذكيرًا بالغموض الموجود في
الطبيعة، وجمال قدرة الخيال البشري الذي يسعى دائمًا لفهم ما وراء المجهول.
هل صحيح ما يقال عن مثلث برمودا بانه عرش إبليس ؟
روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة". وفي حديث آخر عند الإمام أحمد، ورد أن عرش إبليس يقع على البحر، ويبعث سراياه في كل يوم ليفتنوا الناس، وأعظمهم منزلة عنده هم الأكثر فتنة للناس.بالنسبة لموقع عرش إبليس، مثلث برمودا أو أي مكان آخر، فإن هذا الأمر يعد من أمور الغيب التي لا يمكن التحقق منها إلا عبر ما ورد في الكتاب والسنة. لم نجد ما يثبت تحديد المكان الدقيق لهذا العرش في النصوص الشرعية، بل يظل هذا الأمر غير معروف إلا من خلال النصوص الثابتة التي تتحدث عن الغيب. وبالتالي، فإن الحديث عن مثلث برمودا تحديدًا في هذا السياق يبقى مجرد افتراضات لا تستند إلى دليل قطعي من الشرع.
من المهم أن نتذكر أن هذه المسائل تتعلق بالأمور الغيبية التي لا ينبغي الخوض فيها إلا بما ورد من نصوص صحيحة، وقد جاءت الأحاديث لتوضح لنا كيف يفتن إبليس بني آدم باستخدام سراياه، وكم هي فتنة بعض الأشخاص أشد تأثيرًا من غيرهم، ولكن تحديد الموقع الفعلي لعروش الشياطين، مثل عرش إبليس، لا يتم إلا من خلال الوحي الصادق الذي نعلمه من القرآن والسنة.