يوم عاشوراء

الخلفية الدينية لتأسيس عاشوراء

جذور الاحتفال الديني

بدأ المسلمون بالاحتفال بعاشوراء منذ عهد النبي محمد  بعد هجرته إلى المدينة المنورة. كان اليهود يصومون هذا اليوم ابتهاجًا بنجاة موسى عليه السلام من فرعون وجنوده، شكراً لله على إنقاذ بني إسرائيل. النبي  رأى أهمية هذا اليوم وأراد تأكيد شكريته لله من خلال صيام التاسع والعاشر من محرم، مخالفة لليهود، ليظهر أولويته بموسى عليه السلام وامتثاله للشكر والوفاء. 

يوم عاشوراء وأهميته

أصبح هذا الصيام سنة نبوية مستمرة، تجمع بين العبادة والتذكير بفضل الله، مع إمكانية صيام اليوم الذي قبله أو بعده، تأكيدًا على مخالفة اليهود وتأكيداً على قيمة الامتثال للنبي في طاعة الله.

صيام عاشوراء وأهميته

يعد صيام يوم عاشوراء من السنن المؤكدة، فقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس أن النبي  صامه وأمر بصيامه، مؤكدًا أن صيامه يكفر السنة التي قبله. ورغم وضوح الأثر الديني للصيام، فإن ممارسة الصيام اختلفت بحسب المذاهب؛ في المغرب مثلاً، تأثر البعض بالمذهب الشيعي الذي قلل من أهمية صيام هذا اليوم، فاقتصر على الامتناع عن الماء تعبيرًا عن عطش الحسين وأهل بيته. ومع ذلك، يظل الصيام جوهر الاحتفال، يعكس الشكر والوفاء، ويذكر المؤمنين بالنجاة الإلهية لبني إسرائيل، ويضمن للمتبع شعورًا بالاقتراب من السنة النبوية وتدبر مقاصدها.

عاشوراء بين الدين والسياسة

تغيرت مظاهر الاحتفال بعاشوراء بعد مأساة كربلاء، حين استشهد الحسين بن علي رضي الله عنه وابنته فاطمة، احتجاجًا على الحكم الأموي الوراثي الذي أرسى معاوية بن أبي سفيان، محل الشورى. هذه الحادثة حولت عاشوراء من مجرد يوم صيام إلى مناسبة تحمل أبعادًا سياسية واجتماعية ودينية، تعكس صراعًا بين العدل والسلطة. استُغل هذا الحدث لاحقًا لتعزيز الشعور بالوفاء للحق والرفض للظلم، خصوصًا عند الشيعة الذين جسدوا الحزن والندم على خذلان الحسين وأهل بيته في طقوس البكاء والجلد بالسياط والسكاكين، متحولين إلى رمز حي للتضحية والتمسك بالقيم.

التأثير الشيعي والاحتفالات عند المسلمين

استثمار مأساة كربلاء

بعد استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه وابنته فاطمة في كربلاء، استغل الشيعة هذه المأساة لتشكيل طقوس تحمل شحنات عاطفية ودينية عميقة. تجلت هذه المشاعر في البكاء والعويل وتعذيب النفس بالسياط والسكاكين، كوسيلة للتعبير عن الحزن العميق والندم على خذلان أهل البيت. 

هذه الطقوس كانت وسيلة للتذكير بالتضحية والشجاعة، لكنها تضمنت أيضًا عنصرًا من النزوع للانتقام، وهو ما جعل عاشوراء مناسبة تتداخل فيها المشاعر الإنسانية بالدين والسياسة. من جهة أخرى، انتشرت الاحتفالات بين أهل السنة في العالم الإسلامي بشكل مختلف، حيث مزجوا بين الدين والتاريخ والسياسة والعبادات، مع الحفاظ على بعض العادات الشعبية.

الاحتفال عند أهل السنة

أصبح عاشوراء في أوساط المسلمين مناسبة سنوية في شمال إفريقيا ومناطق أخرى، تمزج بين الطقوس الدينية والتقاليد الشعبية. هذه الاحتفالات تأثرت بالمزيج بين الصيام النبوي، المآتم الشيعية، وعادات يهودية قديمة، إلى جانب الممارسات الحديثة التي أضيفت لاحقًا دون أصل ديني. 

عاشوراء والمناسبات الحديثة

يعكس هذا التنوع كيف أن عاشوراء تحولت إلى عيد متعدد الأبعاد، يجمع بين العبادة والفرح التاريخي والاجتماعي، مع الحفاظ على ذكرى الحقائق الدينية، بينما تتشابك معها خرافات وممارسات شعبية، مما يمنح هذه الذكرى طابعًا متميزًا في كل منطقة.

أثر الفاطميين في المغرب العربي

كان للحكم الفاطمي الشيعي دور أساسي في نشر الاحتفال بعاشوراء في المغرب العربي، حيث أصبحت هذه الذكرى جزءًا لا يتجزأ من الهوية الشعبية والدينية. حاول الحكام الذين جاءوا بعدهم، مثل المرابطين والموحدين، تعديل هذه العادة أو إزالة الطابع الشيعي منها، فتغيرت مظاهر الحزن واللطم إلى أفراح وتوسعة على الأهل والعيال والمساكين، بما يعكس قدرة المجتمعات على إعادة تفسير الاحتفالات بما يتناسب مع السلطة السائدة والقيم الثقافية.

استمرارية الطقوس الشعبية

تميز المغرب الأقصى بالتشبث بعادات عاشوراء ونقلها من جيل إلى آخر، مستندًا إلى مزيج من الأدلة الشرعية والحجج الشعبية. انتشرت طائفة متنوعة من الطقوس في القرى والمدن، تجمع بين الاحتفال الديني والبهجة الشعبية، مع دمج أهازيج وألعاب تقليدية، والاحتفال بالمأكولات الخاصة، لتشكل ذكرى متفردة لا تشبه الاحتفالات في أماكن أخرى. هذا التمسك يوضح قدرة المجتمع على الجمع بين التراث والدين، والحفاظ على الهوية الثقافية رغم التغيرات السياسية والاجتماعية.

الصوم والأهازيج

صوم عاشوراء وأهميته الدينية

يعد صوم عاشوراء من السنن النبوية الثابتة، حيث روى عبد الله بن عباس عن النبي  أنه صام هذا اليوم وأمر بصيامه، مؤكدًا أن صيامه يكفر السنة التي قبله. وأوصى النبي أيضًا بمخالفة اليهود بصيام يوم قبله أو بعده، ويمكن صيام ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادي عشر، لتقوية العبادة. ورغم أهمية الصيام، فإن التمسك به في بعض المناطق المغربية قل بسبب التأثر بالمذهب الشيعي، فاقتصر الاحتفال أحيانًا على الامتناع عن الماء، كتشبيه لعطش الحسين وأهل بيته، وهو ما يعكس تداخل الدين بالشعور الشعبي والطقوس الرمزية.

الأهازيج الشعبية والبهجة

تتميز احتفالات عاشوراء بالأهازيج والألعاب الشعبية التي تنقل الفرح والبهجة بين الناس، حيث يغنيون ويرقصون ويستعملون الألعاب النارية، مما يخلق جوًا احتفاليًا مميزًا. هذه الطقوس تعبّر عن التفاعل الاجتماعي وتمازج التاريخ بالثقافة الشعبية. 

احتفالات عاشوراء بالألعاب النارية

تعكس قدرة المجتمعات على تحويل ذكرى دينية حزينة إلى مناسبة تجمع بين العبادة والتسلية والفرح العائلي، مع الحفاظ على الطابع الاحتفالي الذي يميّز كل منطقة.

التوسعة على الأهل والعيال

تشتمل الاحتفالات المغربية أيضًا على تقديم الهدايا والمأكولات الخاصة للأهل والعيال، مما يعكس التحول من مظاهر الحزن واللطم إلى الفرح والسرور. هذه العادة تعزز الروابط الأسرية والاجتماعية، وتمنح الأطفال شعورًا بالمشاركة في الاحتفال، فيما تصبح الذكرى فرصة لإظهار الكرم والتضامن، وهو ما يضيف للطقوس الدينية بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا يضمن استمرارها عبر الأجيال.

الشعائر الدينية والخرافات

بركات عاشوراء والخرافات الشعبية

تتخلل احتفالات عاشوراء في المغرب مجموعة من الشعائر التي يعتقد البعض أنها تحمل بركات خاصة، مثل أداء ممارسات لجلب الحظ ودفع الشر. هذه العادات لا تستند إلى نصوص دينية صحيحة، لكنها أصبحت جزءًا من التراث الشعبي المرتبط بالذكرى، مما يعكس المزج بين الدين والتقليد. يظهر هذا التداخل في شكل طقوس رمزية متعددة، تشمل التوسعة على الفقراء وتقديم الصدقات، مع الاعتقاد في قوة هذا اليوم على الحظ والسعادة، وهو ما أضفى على الاحتفالات بعدًا شعائريًا يتجاوز العبادة التقليدية إلى ممارسة ثقافية واجتماعية متوارثة.

تعديل العادات المغربية

مع مرور الزمن، تداخلت الطقوس الدينية مع العادات المحلية لتشكل طابعًا مميزًا للاحتفالات. حاول الحكام تعديل أو اجتثاث بعض المظاهر الشيعية، لكن الاحتفالات ظلت مستمرة، تعبر عن الهوية الثقافية والدينية للشعب المغربي. أصبح هناك مزيج فريد من البكاء واللطم، إلى جانب الفرح والسرور، فيما يستمر تقديم القربات والهدايا والمأكولات. هذا التوازن بين التقليد والعبادة يعكس قدرة المجتمعات على الحفاظ على جوهر الدين، مع منح الاحتفال طابعًا ثقافيًا واجتماعيًا مستمرًا عبر الأجيال.

التأمل والوعي الديني

من الضروري عند دراسة هذه المظاهر التأمل والتمييز بين ما هو ديني وما هو شعائري أو خرافي. الاحتفال بعاشوراء يقدم فرصة لإعادة النظر في التقاليد، وفهم مدى توافقها مع التشريعات الدينية، مع احترام التراث الثقافي. التوازن بين الدين والعادات الشعبية يعكس وعي المجتمعات بأصولها، ويضمن أن تبقى الذكرى مناسبة روحية واجتماعية تعزز القيم الدينية والأخلاقية دون الانزلاق في خرافات أو مظاهر لا أصل لها.

أهازيج عاشوراء بين الاحتجاج والأماني

التعبير الشعبي عبر الأهازيج

في ذكرى عاشوراء، تنتشر الأهازيج بين النساء والفتيات، خصوصًا في المغرب، حيث تحمل معاني متباينة تجمع بين الاحتجاج على بعض السلوكيات الاجتماعية والدعاء بالخير أو الشر. تتنوع الأهازيج بين التنديد بالظلم والتمسك بالتقاليد، كما تشمل التمنيات بالخير، مثل إنجاب الولد، والدعاء بالشر لمن يخالف الأعراف. هذه الأهازيج تعكس التفاعل بين الدين والتقاليد الشعبية، وتجسد الوعي الاجتماعي، مع الحفاظ على عنصر الاحتفال الجماعي الذي يربط الأجيال ويمنح الذكرى حيوية مستمرة.

مظاهر الحزن والعويل

تستلهم الأهازيج الشعبية المغربية طقوس الشعائر الحسينية، حيث يعبر الناس عن الحزن والندم على التفريط في حق "بابا عيشور". تشمل هذه الطقوس لطم الخدود، شق الجيوب، ونتف الشعر، في تذكير بالمعاناة التي تعرض لها الحسين وأهل بيته. 

طقوس الشعائر الحسينية في حق بابا عيشور

هذا المزج بين الحزن الشعبي والدين يخلق توازنًا بين التعبير العاطفي والاحتفال، ويجسد التضحية والتاريخ في شكل طقوس مستمرة، على الرغم من تغيير بعض الرموز باسم "بابا عيشور" لتجنب الحساسية السياسية والدينية بعد الفاطميين.

بابا عيشور والرمزية

يلاحظ غياب اسم الحسين واستبداله بـ"بابا عيشور"، نتيجة سياسات السلطات السنية بعد الفاطميين لتخفيف الطابع الشيعي للاحتفالات. امتزجت المظاهر الحزينة مع الفرح والسرور، مع تقديم الصدقات والزكاة، وتوسعة الطعام على العائلة والمساكين. هذا المزج يوضح قدرة المجتمع على تحويل ذكرى مأساوية إلى احتفال اجتماعي متوازن، يحافظ على الرمزية التاريخية والدينية، مع الحفاظ على التقاليد الثقافية المحلية التي تمنح المناسبة صبغة ممتعة ومرتبطة بالهوية المغربية.

التراشق بالماء وإشعال النار

يوم زمزم والتراشق بالماء

تعد عادة التراشق بالماء من أبرز مظاهر عاشوراء في المغرب، حيث يُعرف اليوم بـ"يوم زمزم". يغتسل الأطفال والبالغون ويرشّون الماء على الممتلكات والحقول، اعتقادًا ببركة هذا اليوم، وأن الامتناع عن ذلك يجلب الكسل والتلف. 

عاشوراء وضاهرة التراشق بالماء 

تعود هذه العادة جزئيًا إلى اليهود الذين احتفلوا بنجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون، كما أنها ترتبط بتوزيع الشيعة للماء تذكيرًا بعطش الحسين وأهل بيته، مما يظهر تداخل الرمزية الدينية مع العادات الشعبية، واستمرار الموروث التاريخي في الاحتفالات المعاصرة.

يوم الشعالة وطقوس النار

من العادات البارزة أيضًا إشعال النار في ما يعرف بـ"يوم الشعالة"، حيث توقد النيران الكبيرة ويرقص الناس حولها، في جو من المرح والبهجة. تقفز بعض الشخصيات على الجمر، في طقس قد يكون مستمدًا من الشعائر الحسينية للتذكير بآلام أهل البيت. هذه الطقوس تجمع بين الاحتفال الشعبي والتذكير الديني وعادات المجوس، وتبرز قدرة المجتمعات على تحويل الطقوس الرمزية إلى فعاليات ممتعة، تجمع بين الدين والترفيه  الاجتماعي، وتحافظ على التراث الثقافي مع إشراك جميع الأعمار.

الانحرافات والتناقضات

مع مرور الوقت، ظهرت بعض الانحرافات في الممارسات، حيث تحولت بعض الطقوس من التعبير عن محاربة الظلم والانحياز للحق إلى اللهو واللعب. تشمل هذه المظاهر إهدار المياه، استخدام الألعاب النارية بطرق خطرة، وتشجيع الأطفال على التسول. هذا التغير يوضح مدى تحول الاحتفال من طقوس دينية وروحية إلى فعاليات شعبية مختلطة، ويبرز الحاجة للتفكر في كيفية الحفاظ على جوهر الذكرى دون الانزلاق إلى ممارسات ضارة أو مخالفة للقيم الدينية.

صوم النبي ﷺ والمظاهر المغربية

الصيام النبوي وعلاقته بعاشوراء

ثبت عن النبي  أنه كان يصوم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، لما فيه من تكريم لله على نجاة موسى وأهلك فرعون. ويُستحب صيام اليوم العاشر، مع إمكانية صيام التاسع أو الحادي عشر لمخالفة اليهود، وقد رُوي أن صيامه يكفر ذنوب السنة الماضية. يشكل الصيام النبوي الأساس الديني للاحتفال، ويؤكد على شكر الله واتباع السنة، كما أنه يربط بين التاريخ الديني للأنبياء والممارسات المعاصرة للمسلمين، مع تعزيز القيم الروحية والتقوى في هذا اليوم المميز من محرم.

الاحتفالات المغربية بين الفرح والحزن

تميز المغرب بمزيج من مظاهر الحزن والفرح خلال عاشوراء، حيث يمتزج الصيام الرمزي مع التوسعة على العائلة، توزيع المأكولات والهدايا، والأهازيج الشعبية التي تعكس احتجاجات اجتماعية وأماني شخصية. 

الكرم عند المسلمين في يوم عاشوراء

هذه الممارسات تمزج الرمزية الدينية بالحيوية الثقافية، مع المحافظة على الهوية المغربية، وإحياء الشعائر بطريقة تجمع بين التقاليد الشعبية والدروس الدينية والتاريخية.

التأمل في الهوية الدينية والثقافية

تعكس مظاهر عاشوراء في المغرب التفاعل بين الدين والتاريخ والثقافة الشعبية. هناك مزيج من طقوس الصيام، شعائر الحزن الحسينية، الممارسات الفاطمية، والعادات المحلية، مما يظهر قدرة المجتمع على التكيف والحفاظ على الهوية. رغم الانحرافات العابرة، تبقى الذكرى فرصة للتفكر، وتذكير بالقيم الدينية والأخلاقية، مع مراعاة التوازن بين التعبير الثقافي والتمسك بجوهر الدين، لضمان استمرار الاحتفال بوعي ومصداقية، مع احترام التراث الغني والمتنوع.

محرمات يوم عاشوراء

السحر والشعوذة والذبح لغير الله

من أخطر المحرمات التي تقع في يوم عاشوراء ممارسة السحر والشعوذة بمختلف أشكالها، مثل سحر القبول لجعل الناس يحبّون أو ينجذبون لشخص معين، وسحر التفريق لإفساد العلاقات الزوجية أو الأسرية، وغير ذلك من الأعمال التي تستعين بالجن والشياطين. كما يلجأ بعض الجهّال إلى الذبح لغير الله تقرّبًا للجن أو طلبًا للرزق أو الحماية، وهذا شرك عظيم يخرج من الإسلام، لأن الذبح عبادة لا تجوز إلا لله وحده. هذه الممارسات لا تجلب إلا الضرر والضياع، وهي من الكبائر التي حذّر منها الشرع، وعلى المسلم أن يحصّن نفسه بالأذكار والقرآن بدلاً من اللجوء إلى الباطل.

البدع والطقوس المحدثة

يُخطئ كثير من الناس حين يجعلون يوم عاشوراء مناسبة لإقامة طقوس أو عادات لا أصل لها في الإسلام، مثل التوسّع في الأطعمة والمظاهر أو إقامة مجالس حزينة ولطم الصدور أو نشر قصص غير صحيحة عن اليوم. هذه الأعمال تُسمّى بدعًا، لأن النبي لم يأمر بها ولم يفعلها الصحابة. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ». يوم عاشوراء شرع الله فيه الصيام شكرًا له على نجاة موسى عليه السلام، لا لمظاهر الحزن أو الفرح المبالغ فيها. فالسنة هي الصيام والذكر، لا الاحتفال ولا النياحة.

الفتن والخصومات بين المسلمين

يستغل بعض الناس يوم عاشوراء لإحياء الخلافات المذهبية والطائفية، فيتحول اليوم من مناسبة للعبادة إلى ميدان للسبّ والشتم والتفرقة بين المسلمين. وهذا يتنافى مع رسالة الإسلام التي تدعو إلى وحدة الصف ونبذ الفتنة. ما حدث في التاريخ لا يُبرر البغضاء في الحاضر، والمسلم مأمور بالإصلاح لا بالإفساد. إن إحياء عاشوراء الحقيقي يكون بالصيام، وتذكّر الصبر على البلاء، والدعاء للمسلمين جميعًا بالهداية والرحمة. أما إثارة الكراهية والعداوة فهي معصية كبرى تضعف الأمة وتغضب الله عز وجل.

عاشوراء في ميزان العقيدة الإسلامية

يوم تستحق فيه الذكرى

يُعدّ يوم عاشوراء من الأيام العظيمة في التاريخ الإسلامي، لما يحمله من دلالات روحية وتاريخية خالدة. ففيه تجلت قدرة الله تعالى حين أنجى نبيّه موسى عليه السلام وقومه من بطش فرعون، وهو اليوم الذي أكرم الله فيه الصالحين بنصرٍ مبين. وقد جعل الإسلام من هذا اليوم مناسبة لتجديد العهد بالإيمان والتوبة، وملاذًا لتطهير النفس من الذنوب. فالصوم فيه ليس مجرد عبادةٍ جسدية، بل رمزٌ للشكر والتقوى والاتصال بالله عز وجل، إذ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، وفي عاشوراء من أيام الله التي تستحق التذكير والعبرة.

ارتباط عاشوراء بموسى عليه السلام

يرتبط يوم عاشوراء ارتباطًا وثيقًا بقصة موسى عليه السلام، كما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال : ما هذا؟ قالوا: هذا يوم نجّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فقال النبي : نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه."
هذا الحديث الشريف يبين أن صيام عاشوراء كان في بدايته شكرًا لله على النصر، قبل أن يتحول إلى عبادة سنّها الإسلام لتكون جزءًا من السنة النبوية المؤكدة، تجمع بين الشكر والاقتداء بالأنبياء في طاعتهم لخالقهم.

هدي النبي ﷺ في يوم عاشوراء 

صيام عاشوراء وفضله في السنة النبوية حثّ النبي المسلمين على صيام عاشوراء لما فيه من فضل عظيم ومغفرة للذنوب، فقال:
"(صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله) "رواه مسلم.  

عن عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ  يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ : فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ ﷺ . رواه مسلم.

دلالة على رغبته في مخالفة اليهود بصيام التاسع والعاشر من محرم معًا. وقد أجمع العلماء على استحباب صيام عاشوراء، منفردًا أو مسبوقًا بيوم أو متبوعًا بآخر، لما فيه من بركة ومغفرة ورحمة. فهو يوم يذكّر المؤمن بأن النجاة من المعاصي لا تكون إلا بالصدق في التوبة والإخلاص في العبادة.

ختاما تتجلى مظاهر احتفالية عاشوراء كمرآة تعكس تداخل الدين والتاريخ والثقافة في حياة الشعوب الإسلامية، خصوصًا في المغرب العربي. فهي ليست مجرد طقس عبادي أو ذكرى تاريخية، بل لوحة معقدة تمتزج فيها السنن النبوية، مأساة كربلاء، الشعائر الحسينية، تأثير الفاطميين، والعادات الشعبية المحلية. تعكس الأهازيج، الألعاب، التوسعة على الأهل، التراشق بالماء، وإشعال النار مدى قدرة المجتمعات على تحويل المأساة إلى مناسبة للفرح والذكر، مع الاحتفاظ بعمق الرمزية الدينية. 

ورغم التحولات والابتكارات، تبقى الجذور الدينية واضحة، صيام النبي  وفضائل هذا اليوم، مؤكدًا على الشكر لله واتباع السنة. إن الاحتفال بعاشوراء يطرح دعوة مستمرة للتفكر والتمييز بين ما هو عبادة أصيلة وما هو عادة ثقافية، ليظل جوهر الدين محفوظًا، وفي الوقت نفسه يحتفى بالتراث الشعبي، مما يجعل عاشوراء مناسبة تجمع بين الروحانية والهوية الثقافية والاجتماعية، مستمرة عبر الأجيال رغم هذه الانحرافات العابرة .

تعليقات