الكراهية في اللغة والاصطلاح
تعريف الكراهية
في اللغة، الكراهية تعني الشعور بالقبح
والاشمئزاز والبغض تجاه شيء ما. عندما يكره الإنسان شيئاً، فإن ذلك يعني أنه
يمقته، ولا يحبه، ويبغضه، وينفر منه. الكراهية تتجلى أيضاً في مشاعر الحقد والغضب
والضغينة تجاه شخص معين. أما الأفعال القولية الصادرة عن دولة أو جماعة أو أفراد
وتدعو صراحة إلى الكراهية، فيُطلق عليها "خطاب الكراهية".
جرائم الكراهية
تشمل كافة الجرائم التي تُحفَّز بالكراهية
وتدفع مرتكبيها لارتكابها بسبب الكراهية، بـ "جرائم الكراهية". ترتكب
هذه الجرائم ضد أفراد أو جماعات لأسباب متعلقة بالدين أو العرق أو اللغة أو الجنس
أو الإعاقة العقلية أو البدنية. تتنوع أشكال جرائم الكراهية، من ممارسة العنف
الجسدي ضد الآخر، إلى المضايقات والتهديدات والتسلط في المدارس أو أماكن العمل.
وقد تأخذ الكراهية أيضاً شكل مواد إعلامية، كلوحات أو كتب أو نصوص أو ملصقات أو
أغاني أو أفلام، تنطوي على عناصر مهينة وتهديدية. لا تستهدف جرائم الكراهية
الأفراد أو الجماعات فقط، بل تمتد لتشمل المباني العامة والخاصة، وكذلك دور
العبادة وممتلكات الأقليات.
القوانين ومكافحة الكراهية
ورغم أن العديد من الدول قد شملت في دساتيرها
وقوانينها تعريفات واضحة للكراهية وجرائمها، مع تحديد العقوبات التي تُفرض على
مرتكبيها، إلا أن العديد من الدول الأخرى، خصوصاً في العالم العربي، لا تزال تعاني
من جدل كبير واجتهادات متعددة حول هذا الموضوع في قوانينها. ويعود ذلك إلى التداخل
بين حرية التعبير كحق أساسي للفرد وبين خطاب الكراهية. تسعى الدول الديمقراطية إلى
تحقيق توازن يحمي جميع شرائح المجتمع من خطر الكراهية.
تأثير الكراهية على المجتمع
تتعدى جرائم الكراهية الحدود الجغرافية، فتظهر
في صور منع الأفراد أو الجماعات المستهدفة من السفر أو العودة إلى أوطانهم. مما
يوضح بجلاء أن مشاعر الكراهية بين الناس تُعتبر تهديداً خطيراً على المجتمع بأسره.
صناعة الكراهية
صناعة الكراهية تعتبر أحد أهم الأسلحة في
الحروب النفسية، وأداة فعّالة لتفكيك البنى الاجتماعية والتماسك المجتمعي. فبينما
تستهدف الحروب العسكرية حياة البشر وممتلكاتهم، تركز الحروب النفسية على التأثير
في السلوك الاجتماعي من خلال التأثير على الأفكار والحالة المعنوية للناس.
أساليب صناعة الكراهية
تُصنع الكراهية عبر نشر الأكاذيب وتزوير
الحقائق واختلاق الأحداث والتلاعب بالعقول والافتراء على الآخرين وتزيين الباطل.
هذه الأساليب تخلق بيئة خصبة لنمو الكراهية والعداوة، حيث تتطور الضغائن لتصبح
أفكاراً وعقائد، ومن ثم تتحول إلى سلوك عدواني متطرف. تُعتبر الكراهية وتغذيتها
حاضنة مثالية للعنف والإرهاب.
أوجه الكراهية
الكراهية تأتي بأشكال متعددة، منها الاجتماعي
والثقافي والديني. الكراهية الدينية تُعد الأخطر لأنها تفتت المجتمعات بسرعة.
الأزمات السياسية أيضاً تخلق كراهية اجتماعية، وتظهر هذه الكراهية في الشعارات
والمواقف والخطابات المتشددة، التي غالباً ما تكون المصدر الرئيسي لنشر ثقافة
الكراهية.
نماذج ومستويات الكراهية
في صناعة الكراهية، نجد نماذج ومستويات مختلفة.
تشمل هذه النماذج إشعال الصراعات بين الدول والشعوب، وكذلك داخل الأمة الواحدة، أو
البلد الواحد، أو حتى العرق أو الدين الواحد. على سبيل المثال، عمدت بعض الدول
الغربية الاستعمارية إلى تلطيخ صورة الإنسان العربي عبر وسائل الإعلام، مما أدى
إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا. الأحداث الدامية في المنطقة العربية خلال العقد الثاني
من القرن الواحد والعشرين عززت هذه الصورة السلبية في الإعلام الغربي، مما رسخ
فكرة العربي المتطرف القاتل.
أدوات صناعة الكراهية
تتضمن أدوات صناعة الكراهية نشر الأكاذيب
والافتراءات، التلاعب بالعقول، تزوير الحقائق، وتزييف البيانات. هذه الأدوات هي
سلاح من الجيل الرابع، يتميز بفعاليته العالية وقلة تكلفته المادية والجهد المبذول
فيه.
بيئة نمو الكراهية
لا تنمو الكراهية إلا في المجتمعات غير
المستقرة، التي تعاني من انقسامات عرقية وطائفية ومذهبية، وتفتقر إلى ثقافة التنوع
وقبول الآخر. غياب الأطر السياسية والقانونية المنظمة يعزز بيئة الكراهية. كما أن
قضية الأقليات العرقية والدينية يمكن أن تُستغل سياسياً لإثارة الكراهية بين
الكيانات المختلفة. المحسوبيات والمنفعة الخاصة، والتهميش والإقصاء من قبل النخب
الحاكمة، كلها عوامل تساهم في توليد الكراهية والعنف.
في الختام، تبين أن صناعة الكراهية تعد تهديداً
خطيراً للمجتمع، فهي لا تفرق بين حدود الدول أو الانتماءات، بل تعمل على تمزيق
النسيج الاجتماعي وإثارة الفتن والنزاعات، مما يهدد استقرار وسلامة المجتمعات.
خطاب الكراهية
في السنوات الأخيرة، شهد العالم انتشاراً
واسعاً لخطاب الكراهية والبغض، وخاصة في المنطقة العربية. هذا الخطاب يتغذى من
المجتمعات المنغلقة على الأنا الجمعية والتي تتحدد بالانتماءات الطائفية والقبلية
والعرقية والمذهبية والأيديولوجية. تطور التكنولوجيا ووسائل الإعلام المتنوعة ساهم
بصورة كبيرة في تفشي خطاب الكراهية، خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذه
المنصات أصبحت ساحات لاستقطاب شرائح متزايدة من الأفراد، الذين ينضمون إلى جيوش
الكراهية متسلحين بالحقد والأفكار العنصرية والألفاظ الشوفينية، لخوض معارك
الاقتتال الاجتماعي والمذهبي والعرقي في الفضاء الإلكتروني الواسع. تُستغل هذه
الأطراف حرية التعبير التي تصونها القوانين الدولية للاعتداء على كل شيء، حتى
الأديان والخالق لم يسلم من شرورهم.
وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها، تتحمل مسؤولية
كبيرة في بث خطاب الكراهية بشكل مستمر على مدار الساعة للمشاهدين والمستمعين
والقرّاء. في ظل غياب شبه تام للإعلام المهني الذي يقوي الروابط الوطنية بين
مكونات الشعب، يتزايد الإعلام المتخصص بالبغض والكراهية، ويعمل الإعلاميون غير
المسؤولين على هتك النسيج الاجتماعي عبر التحريض الأعمى على العنف والإقصاء.
الإعلام وتأجيج الكراهية
في البلدان العربية، حيث تختلط المعايير وتفتقد
الضوابط، تحول النقد إلى شتم، وتصاعدت وتيرة السباب والقذف في الخطابات التي تجد
استحساناً لدى شرائح اجتماعية واسعة. هذه الخطابات الشوفينية المتشددة تلهب مشاعر
الجماهير وحماسهم، وتعود أسبابها إلى التناحر والصراع السياسي والأيديولوجي
والديني بين مختلف القوى والأحزاب والدول، مما يجعل من إعلام الكراهية سلاحاً لكسب
الحرب.
دوافع وأهداف
الأطراف التي تدعم وتمول وتغذي وسائل الإعلام
القائمة على نشر الكراهية، تسعى إلى تخدير الشعوب وتغييب وعيها، وإشغالها عن حالة
الشقاء والبؤس التي تصف الوضع العربي الراهن. الهدف هو إبقاء الشعوب العربية
كأحجار شطرنج وبيادق تتقاتل دون أن تغادر الرقعة، بينما يظل اللاعبون الرئيسيون
متحكمين بمصير المنطقة.
باختصار، خطاب الكراهية يشكل تهديداً خطيراً
للمجتمعات، حيث يمزق النسيج الاجتماعي ويزرع الفتنة، ويؤدي إلى انقسامات عميقة بين
الأفراد والجماعات. الحل يكمن في تعزيز الإعلام المهني والمسؤول، ونشر ثقافة
التسامح والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع.
حروب الكراهية
أقبح الحروب هي تلك التي تتغذى على الكراهية،
وأكثرها وحشية تلك التي ترتكب باسم الدين. شهد التاريخ العديد من هذه الحروب، منها
المجازر والمذابح التي ارتكبتها العصابات الإرهابية، هذه العصابات قامت بحملات عنف
وإرهاب مخططة ضد الشعب الفلسطيني، ما أدى إلى مقتل آلاف الأبرياء، ولا تزال هذه
الجرائم مستمرة حتى اليوم.
في القارة الأمريكية، وبعد وصول كريستوفر
كولومبس، ارتكب الأوروبيون المسيحيون جرائم إبادة وحشية بحق السكان الأصليين.
اعتبرت القوى الاستعمارية الأوروبية أن السكان الأصليين أدنى منزلة، وأقل قيمة من
الأوروبيين، مما أطلق سلسلة من حروب الإبادة التي جردت السكان الأصليين من
إنسانيتهم وارتكبت ضدهم مذابح وحشية.
شهادات تاريخية على الفظائع
في أمريكا التي تُبنى على قيم العدالة
والمساواة والحرية، نشأت بواسطة أبشع أنواع الإرهاب، عبر إبادة عشرات الملايين من
الهنود الحمر. وما زال الإرهاب الأمريكي مستمراً في أماكن متعددة من العالم. وفي
وثيقة تاريخية سجلها المطران الإسباني "بارتولومي دي لاس كازاس" حول
جرائم الأوروبيين بحق الهنود الحمر، يروي الفظائع قائلاً: "كانوا يدخلون
القرى فلا يتركون طفلاً ولا حاملاً ولا امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون
أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة". هذه الجرائم تكررت بحق الفلسطينيين.
المجازر في البوسنة والهرسك
في البوسنة والهرسك عام 1995، ارتكبت القوات
الصربية مجزرة مروعة لأسباب دينية وعرقية، ذهب ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم
بوسني مدني. تعد هذه المذبحة من أفظع المجازر في أوروبا بعد الحرب العالمية
الثانية، وقد حدثت على مرأى من جنود الفرقة الهولندية التابعة لقوات حفظ السلام
الأممية.
الحروب الصليبية
الحروب الصليبية في القرون الوسطى، التي شنتها
الدول الأوروبية المسيحية ضد المشرق الإسلامي، لدوافع الكراهية الدينية، تمثل
نموذجاً آخر على خطورة خطاب الكراهية. قاد البابا "أوربان الثاني" نداءً
لشن حرب على المسلمين، بهدف تحرير الأرض المقدسة، مما أطلق سلسلة من الحروب
الدامية.
الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت
من أكثر الحروب الدينية شراسة كانت الحرب التي
دارت بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا خلال القرن السابع عشر. استمرت الحرب
ثلاثين عاماً، وأعلنتها الكنيسة الكاثوليكية باسم الحرب المقدسة، وأدت إلى إبادة
حوالي أربعين بالمائة من البروتستانت الأوروبيين. انتهت الحرب بأوبئة ومجاعات
وتدمير شامل، وغيرت خارطة أوروبا السياسية والدينية.
مذابح الأرمن والأتراك
رغم شيوع واقعة إعدام الأرمن في إسطنبول من قبل
السلطات التركية في العام 1915، فإن هناك جانباً غير معروف يتعلق بمذابح الأرمن ضد
الأتراك. يذكر الدكتور "أحمد الشرقاوي" في كتابه "مذابح الأرمن ضد
الأتراك" أن عدد ضحايا المذابح التي ارتكبها الأرمن بلغ حوالي نصف مليون ضحية
من المسلمين المدنيين الأتراك، خلال ذروة الصراع بين الأتراك والأرمن في الحرب
العالمية الأولى.
بذور الكراهية
بذور الكراهية تُزرع في النشأة الأولى، بدءاً من
العائلة التي تفشل في تربية الأبناء على احترام التنوع وقبول الآخر المختلف.
المجتمعات المنغلقة على ذاتها، التي تسود فيها نمطية ثقافية واجتماعية واحدة، تكون
أكثر عرضة للتحريض والكراهية. هذه المجتمعات تعيش في حالة من الجهل بحقيقة
الآخرين، مما يجعلها فريسة سهلة للتحريض والرفض للاندماج مع الجديد.
المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الأسرة، بل تمتد
إلى المؤسسات التعليمية التي يجب أن تتبنى مناهج تعزز التنوع والتعددية، ولا تعتمد
فقط على رأي الأغلبية. كما تتحمل المؤسسة الدينية جزءاً كبيراً من المسؤولية، حيث
أن الخطاب الديني المتشدد يثير الفوضى والفتنة والتحريض على الكراهية والعنف.
التهميش والإقصاء
السياسات الاستبدادية التي تمارس التهميش
والإقصاء ضد فئات معينة في المجتمع، تخلق بيئة خصبة لتنامي خطاب الكراهية. التركيز
الإعلامي على رؤية واحدة وتجاهل الرؤى المتعددة يزيد من حدة الكراهية. الصور
النمطية والأحكام المسبقة ضد فئات أو بلدان معينة تسهم في نشر الكراهية. هذا يتطلب
من الدولة بكافة هيئاتها، ومن وسائل الإعلام، ومناهج التعليم، والمؤسسة الدينية،
والناس أنفسهم أن يتحملوا مسؤولياتهم في مواجهة هذه الظاهرة.
القصور في فهم التراث
الموروث الاجتماعي والديني والثقافي يمثل قيمة
معرفية مهمة، ولكن القصور في فهم هذا التراث، والمقاربات الخاطئة له، ومحاولة
النقل الميكانيكي للتجارب الماضية، تسهم في توريث الكراهية كما تورث العقارات.
الصمت واللامبالاة
الصمت واللامبالاة تجاه خطاب وجرائم الكراهية
يعزز من انتشارها. التغاضي عن هذه الجرائم والاستفزازات التي تستهدف مشاعر الناس
الدينية أو القومية، تمنحهم الإحساس بالدونية وتنتقص من كرامتهم وإنسانيتهم، مما
يزيد من تعقيد المشكلة ويعمق الفجوة بين أفراد المجتمع.
المسؤولية المشتركة
لمواجهة بذور الكراهية، يجب أن تتضافر جهود
الجميع، بدءاً من العائلة، مروراً بالمؤسسات التعليمية والدينية، وصولاً إلى وسائل
الإعلام والدولة. الفهم السليم للتراث وتعزيز ثقافة التنوع والقبول، والتصدي للصور
النمطية والأحكام المسبقة، والمواقف الإيجابية تجاه الآخر، هي الخطوات الأساسية لبناء
مجتمعات تتسم بالتسامح والتعايش السلمي.
توظيف للكراهية
فشلت الأنظمة العربية في تحقيق أي من الأهداف
المرجوة بعد التحرر السياسي الشكلي من الاستعمار. لم تتمكن من بناء دول مدنية
مستقلة، ولا تحررت من التبعية الاقتصادية والسياسية، ولا استطاعت تحقيق تنمية
مستدامة. بقيت بعيدة عن الحداثة، وظلت شعارات النهوض العربي تتردد منذ قرنين من
الزمن دون أي نجاح يذكر. في المقابل، شهدت أمم أخرى مثل اليابان والهند وكوريا
الجنوبية وسنغافورة تطوراً هائلاً على المستويات الاقتصادية والحضارية.
فشل بسبب خطاب الكراهية
يعود هذا الفشل جزئياً إلى خطاب الكراهية
الموجه ضد الغرب، والذي يصوره كعدو دائم للعرب والمسلمين، ويمتد هذا الموقف الضرير
على مدى قرن كامل، مما أثر سلباً على الخطابات الفكرية والسياسية والدينية
والثقافية. تتشارك القوى السياسية القومية العربية مع التيار اليساري والجماعات
الدينية في موقف واحد يعادي الغرب، محاولين تعبئة الرأي العام بأن الغرب هو العدو
المتآمر على الشعوب العربية، والذي يعيق نهضتها وإصلاحها.
تبرير الكراهية
نعم، الغرب الاستعماري سعى لفرض سطوته على
العالم واستغلال موارده، ولكن ماهي مسؤولية الدول والشعوب العربية تجاه هذا
التحدي؟ معظم الأنظمة العربية استخدمت خطاب الكراهية ضد الغرب لتبرير إخفاقاتها
المتكررة في تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتطور الاقتصادي. اعتمدت هذه
الأنظمة على الخلط المتعمد بين الغرب الاستعماري والغرب المتطور، مما أثار الشك
والبغض تجاه كل ما هو غربي.
الفرص الضائعة
هذا الخطاب حال دون استفادة العرب من العلوم
والتقنيات الغربية التي ساهمت في تقدم الشعوب الأخرى. الدول التي نجحت في تحقيق
استقلالها السياسي من الاستعمار الغربي، مثل اليابان والهند وكوريا، استطاعت
التفريق بين الاستعمار بوجهه القبيح وبين الغرب الحداثي، واستفادت من علومه
وتجاربه لبناء نظم سياسية واقتصادية ناجحة.
نحو نموذج عربي للتنمية
لا يمكن للعرب تحقيق تقدم وحداثة إلا
بالاستفادة من عوامل التقدم الغربي، والتفاعل الإيجابي مع حضارته، ونقل معارفه
وعلومه وتقنياته. يجب علينا التوقف عن التذمر وابتكار الشعارات المدوية التي تملأ
عقول الشباب بالغضب والكراهية، والانطلاق نحو بناء نماذج عربية للتنمية والتفوق،
والمنافسة في الأسواق العالمية بصناعات ومنتجات علمية وتقنية.
الأمثلة الناجحة
اليابان، التي انهزمت في الحرب العالمية
الثانية، استطاعت التغلب على المستعمر بصناعاتها المتطورة حتى باتت أمريكا تخشاها.
الهند وكوريا حولتا مشاعر الكراهية ضد المستعمر إلى قوة دفع هائلة نحو التقدم
العلمي والحضاري. بينما بقيت الدول العربية تعاني من انكساراتها وخيباتها، وتردد
"نحن خير أمة أخرجت للناس" دون عمل جاد لتحقيق ذلك.
الخروج من الفصام الأيديولوجي
امتلاك أسباب الحداثة الحقيقية يتطلب الخروج من
حالة الفصام الأيديولوجي التي تعاني منها الأمة العربية، بين أطراف تتوسل الغرب
وأخرى تلعنه. يجب علينا بناء نهضة حقيقية تعتمد على العلم والمعرفة والتفاعل
الإيجابي مع الحضارة الغربية، لخلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ما يمكن فعله تجاه الكراهية
الجميع يتحمل المسؤولية في مكافحة الكراهية،
بدءاً من الدولة والهيئات والمجتمع ووسائل الإعلام، وصولاً إلى المؤسسات التعليمية
والدينية والعائلة والأفراد. يجب أن نتشارك جميعاً في تعزيز مفاهيم احترام الآخرين
المختلفين، وترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية والحب والتواصل الإيجابي والتعايش.
التعليم
في القطاع التعليمي، يجب تطوير المناهج
الدراسية في جميع المراحل، والتخلي عن أسلوب التعليم التقليدي الذي يعتمد على
التلقين. يجب تبني أشكال عصرية تشجع التفكير الحر، واستخدام العقل، والإصغاء إلى
الآخرين، وقبول الرأي المختلف. من الضروري الحث على التفكير الإبداعي، وتشجيع
الطلاب على ممارسة النقد البناء، وفتح نوافذ التعدد والتنوع الثقافي أمامهم. إعادة
تأهيل المعلمين والمدرسين وتزويدهم بالخبرات والمعارف اللازمة أمر حتمي لضمان جودة
التعليم.
الإعلام
وسائل الإعلام تلعب دوراً حيوياً في تشكيل فهم
الناس للعالم، ورؤيتهم للأمور. لذا، يجب أن يكون هدف الإعلام هو بث ثقافة التسامح
والحوار والتعايش بين جميع مكونات المجتمع، ونبذ الكراهية والعنف والتشدد
والعنصرية والإرهاب. الإعلام يجب أن يكون ركيزة لتعزيز القيم الإيجابية وتوعية
المجتمع بمخاطر خطاب الكراهية.
القانون
المساءلة القانونية تعتبر ضرورية للحد من خطاب
الكراهية. يجب وضع تعريفات محددة لخطاب الكراهية واعتباره جريمة، وتضمين هذه
التعريفات في الدستور والقوانين. تطبيق العقوبات على المخالفين بفعالية يسهم بشكل
كبير في مكافحة الكراهية، ويحد من انتشارها.
المجتمع المدني
دعم وتنشيط منظمات المجتمع المدني، والأندية،
والنقابات، والاتحادات، والمنظمات الجماهيرية الأخرى، يمكن أن يلعب دوراً توعوياً
وتنموياً وتثقيفياً هاماً. يجب استغلال طاقات الشباب الخلاقة والمبدعة وتوظيفها بما
يحقق التنمية والتطور والسلام. تزويد الشباب بالفكر والمعرفة التي تؤمن بالتعايش
والحوار وترفض التشدد والكراهية هو خطوة أساسية في هذا الاتجاه.
البحث العلمي
تشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية على القيام
بأبحاث ودراسات اجتماعية وفكرية لرصد أفكار وخطاب وسلوك الكراهية، وتحليل هذه
الظاهرة، وإصدار توصيات محددة تتحول إلى خطط عمل، يساهم في محاصرة الكراهية ومنع
تفشيها.
الخطاب البديل
مواجهة خطاب الكراهية لا تتوقف عند نقده فقط،
بل تتطلب صياغة خطاب بديل يفيض بالمحبة والتآخي والتضامن. الخطاب الديني يحتاج إلى
إعادة صياغة بشكل خاص. النقد الموجه للخطاب الديني المتشدد ليس حرباً على الدين
ذاته، بل هو نقد للقيم السلبية التي قد يحتويها هذا الخطاب، وتحذير من العواقب
الكارثية الناتجة عنه. يجب أن يكون النقد موجهاً للفهم الديني الخاطئ، والاجتهادات
غير الصائبة لبعض الأئمة، دون أن يكون هذا النقد موجهاً ضد الدين نفسه.
إن مواجهة خطاب الكراهية تحتاج إلى جهد جماعي
مشترك يهدف إلى تعزيز التفاهم والتسامح، وبناء مجتمع يحترم التنوع ويعزز القيم الإنسانية.
فقط من خلال العمل معاً يمكننا تحقيق هذا الهدف النبيل.
تحديات المشهد العربي الحديث
على مدى عقود طويلة، تم تغذية عقول الأجيال
العربية بثقافة الكراهية، مما أسفر عن واقع كارثي في المنطقة. هذه الثقافة أنجبت
أجيالاً مؤمنة بالفكر المتشدد والسلوك المتطرف، حيث انتشرت قيم الموت والدمار
بدلاً من الحياة والبناء والعطاء. بفعل ذلك، تحولت المنطقة إلى مشهد يشبه المسلخ
الكبير، حيث يتناوب الجزار والضحية في لعبة لا تنتهي.
نحن بحاجة إلى ابتكار حلول فعّالة لمواجهة هذا
الوباء، وتصحيح رسائل الإعلام، وإعادة النظر في الخطاب الديني، وملء الفراغ
الشبابي، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، واستخدام لغة العقل والمنطق بدلاً من العاطفة،
وبناء جسور من الحب والتسامح. إذا لم نتخذ هذه الخطوات الجذرية، فسنواجه موجات
متتالية من الكراهية، قد تؤدي في النهاية إلى طوفان عظيم لن يسلم منه أحد. في الوقت الحاضر، تدعو النخبة العربية إلى إجراء حوار وطني جاد لمواجهة
هذا الانسداد الأخلاقي في الخطاب السياسي والديني والعنصري. يتعين وضع استراتيجية
شاملة للقضاء على داء الكراهية الذي ينمو بسرعة. الإعلام، الذي يروج للكراهية،
يساهم في تغذية جذور التطرف والإرهاب، ويخلق وحوشاً ستنهش في كيان الأمة.